وقد روي عن أهل البيت (F) عدة روايات تُبَيِّن فيها حدود الصداقة ، وقد اخترنا منها ما روي عن أبي عبد الله الصادق (B) لتكون محور حديثنا لما فيها من الوضوح والشمول .
فعن أبي عبد الله (B) قال: (1)[لا تكون الصداقة إلا بحدودها، فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة ، ومن لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة، فأولها : أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة، والثانية: أن يرى زينك زينه وشينك شينه، والثالثة: أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال، والرابعة: أن لا يمنعك شيئا تناله مقدرته، والخامسة : وهي تجمع هذه الخصال: أن لا يسلمك عند النكبات].
وهذه الرواية عظيمة في بنودها وبيانها لحدود الصداقة وحقوق الأصدقاء، ولأهميتها فهي تستحق وبشكل منفصل أن تُشرَح النقاط العظيمة فيها ولكننا نتعامل معها بما يتناسب وحجم بحثنا ، ولو أنَّ الناس يُراعوا هذه الحدود والحقوق لكان الأفراد والمجتمعات والشعوب والدول تعيش في صداقات حقيقية وحُب وتلاحم وانسجام وقوَّة وسلام وتقدم وازدهار ، ومن هنا نُدرك أهمية مراعاة حدود وضوابط الصداقة ، ومن خلال هذه الرواية وأمثالها يستطيع كل إنسان أن يُحدّد طبيعة ونوعية علاقته مع الآخرين ، فإمّا أن يكون صديقاً أو أخاً كاشراً أو عدواً ، وبهذا يستطيع كل إنسان أن يُقيِّم نفسه ويعرف حجمه ويوزن عمله و يضع نفسه في الجهة التي تُناسب مسلكيته لأنَّ فكره ومنهجه وتطبيقاته تفرض عليه ذلك الموضع وفق منهج الحق والعدل ، وينبغي عليه إذا كان عاقلاً ومؤمنا أن يُحاسب نفسه قبل أن يُحاسَب في الدنيا والآخرة فيكون قد نجا من فتنة الشيطان وتخلَّص من المسؤولية الشرعية واستقر في حياته .
ولكن للأسف الشديد أنَّ غالبية الناس يتبعون الشيطان في تصرفاتهم الباطلة ولا يلتزموا بمراعاة الحقوق بل يعتدي أحدهم على حقوق الآخر سواء كانت مادية أو معنوية ويكذب أحدهم على الآخر ويخون أحدهم الآخر ويتآمر بعضهم على الآخر ويتغير بعضهم على الآخر وينقلب بمجرد حصوله على منصب أو مال كما لا يهتم لقضية الدفاع عن صديقه أمام الظالمين والمنافقين وغير ذلك فتحدث الانشقاقات والنزاعات والخصومات والفتن والعداوات والحروب والدمار .
تعليق على الحدود الخمسة في الرواية :
الحد الأول :
ذكرت الرواية أنَّ من حدود الصداقة هو : [أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة].
ومعنى ذلك أن يكون الإنسان في علاقته صادقاً صدوقاً لا يُظهر لك خلاف ما يُبطن و لا يُخالف قوله عمله لأنَّ هذا الخلاف هو من فعل المنافقين والمتلونين الذين لا يستقرون مع أحد ولا يصدقون في الرأي والمشورة والنصيحة والخبر والعلاقة و... ، وإذا فُقِدَ الشرط الأول من الرواية فإنَّه لا يُمكن أن تنعقد صداقة لأنَّه الخطوة الأولى لعقد الصداقة ولا يصح تخطيه وتجاوزه ، وتُعرف هذه الصفة في الإنسان سلباً أو إيجاباً من خلال كثرة مجالسته ومخالطته ومعاشرته في سفر أو حضر أو باشتهار وشيوع حاله لدى عموم الناس أو ممن اختبره الثقاة الذين يملكون الخبرة والوعي وقد تيقنوا اتصافه بهذه الصفة السلبية أو الإيجابية ، وعلى ضوء التزام الإنسان بالشرط الأول أو عدم التزامه يتحدد الموقف من صداقته أو عدمها .
الحَدّ الثاني :
ذكرت الرواية قوله (B) :[أن يرى زينك زينه وشينك شينه] .
وهذا مصداق أن تُحبَّ لأخيك ما تُحبّه لنفسك وتكره لأخيك ما تكرهه لنفسك، وأن تفرح لفرحه وتحزن لحزنه.. وإذا زانه شيء فيرى ذلك زينه وإذا شانه شيء فيرى ذلك شينه ، وهذا مصداق ما ورد من مضامين حديثية وهي : المؤمن مرآة لأخيه المؤمن ، ويرى نفسه في أخيه المؤمن ، منها قول النبي (2) (1): [لا خير لك في صحبة من لا يرى لك مثل الذي يرى لنفسه] .
الحدّ الثالث :
ذكرت الرواية قوله (B): [أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال] .
وهذا الحَدّ من الشرائط الذي يكاد يكون نادر الحصول لأنَّه بحسب الشيوع بين شعوب العالم وبحسب التجربة أنَّ الإنسان إذا نال ولاية حكومية أو أصبح من الأثرياء فإنَّه يتغير وتنقلب تعاملاته حتى تصل إلى مرتبة التنكر والانقطاع والعياذ بالله ، بل كما هو ثابت أنَّه بعد وفاة الرسول (2) تنافس الصحابة بعده على الخلافة ومن ثمَّ على الأموال ونازعوا الأمر أهله وحصلت الأثرة و...، وحدثت نتيجة انقلابهم وطمعهم انشقاقات وأحزاب وفتن وردة وحروب .
و كان من موارد ذلك ما روي عن أبي عبد الله (B)قال: (2) [لا تسم الرجل صديقا سمة معروفة حتى تختبره بثلاث: تغضبه فتنظر غضبه يخرجه من الحق إلى الباطل ؟ وعند الدينار والدرهم، وحتى تسافر معه].
وأيضاً ما روي عن أمير المؤمنين (B) قوله(1):[لا يعرف الناس إلا بالاختبار، فاختبر أهلك وولدك في غيبتك، وصديقك في مصيبتك، وذا القرابة عند فاقتك، وذا التودد والملق عند عطلتك لتعلم بذلك منزلتك عندهم].
الحَدّ الرابع :
ذكرت الرواية قوله (B) :[أن لا يمنعك شيئا تناله مقدرته].
فالصديق الصدوق لا يمنع صديقه مما يقدر عليه من وجاهة أو مال أو ردِّ عدوان وما إلى ذلك ، ومما قاله أمير المؤمنين (B)في الصديق(2): [فأما أخوان الثقة فهم الكف والجناح والأهل والمال، فإذا كنت من أخيك على حد الثقة فابذل له مالك وبدنك، وصاف من صافاه، وعاد من عاداه، واكتم سره وعيبه، وأظهر منه الحسن، واعلم أيها السائل إنهم أقل من الكبريت الأحمر] .
وفعلاً فهُم أقل من الكبريت الأحمر لندرتهم.
الحدّ الخامس :
ذكرت الرواية قوله (B): [وهي تجمع هذه الخصال: أن لا يسلمك عند النكبات].
النكبة بالفتح المصيبة،وهي الحوادث العظيمة التي يتعرض لها الإنسان،وفي هذا الحال ينبغي لذوي العلاقة أن لا يُسْلِم أي يخذل صديقه في نوائب الدهر ومصائب المحن وأن لا يُعرضه للخسارة والهلكة تأخذ منه مأخذها بل يقف إلى جنبه لإنقاذه وتقويته ونصرته فيكون معه كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضا .
وقد قال الإمام علي (B):(3)[لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في
ثلاث: في نكبته و غيبته ووفاته].
وكما أنَّ الصديق لا يُسْلِم صديقه عند النكبات ولا يخذله ولا يتغير عليه ولا يمنعه مما يقدر عليه ولا يُظهر له خلاف ما يُبطن كذلك من حق الصديق أن يحفظ صديقه في غيبته ووفاته إضافة إلى أن لا يتخذ الصديق عدو صديقه صديقاً له فيجرح مشاعر صديقه ويُغيظه ويُضعف موقفه ويؤدي إلى بناء علاقات مشبوهة ومتزلزلة مما يُربك الوضع الاجتماعي في بناء العلاقات فتُنزع الثقة بين الناس وتتخلخل أواصر بناء مجتمع قوي ، وهذا في جملة ما أشارت إليه نصوص المعصومين (F) في هذا الباب ، ومنها ما قاله الإمام (B) : (1)[لا تتخذن عدو صديقك صديقاً فتعادي صديقك] .
وكان مما روي عن أبي عبد الله (B) أنَّه قال (2): [انظر إلى كل من لا يفيدك منفعة في دينك فلا تعتدن به، ولا ترغبن في صحبته، فان كل ما سوى الله تبارك وتعالى مضمحل وخيم عاقبته] .
وعن أمير المؤمنين (B)(3):[من دعاك إلى الدار الباقية وأعانك على العمل لها فهو الصديق الشفيق] .
وبمجموع ما ذكرنا يُصنَّف الناس بعضهم إلى بعض بثلاثة أصناف وهُم:أخٌ وصديق وعدو.
وربما تكون الأخوة بمعناها العام كالأخوة بين البشر في الإنسانية مع اختلاف أديانهم وهو ما عبَّر عنهم أمير المؤمنين (B) بالنظير في الخلق بلحاظ كونهم ضمن رعية الحاكم كقوله (B) (4): الناس [صنفان : إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق]، وكالأخوة بين أبناء الدين الواحد باعتبارهم أخوان في الدين كالأخوة في الإسلام مثلاً والتي هي مراتب وأعلاها الأخوة الإيمانية لقوله تعالى(1) :[إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ] ، وهذا ما عبَّر عنه مولانا أمير المؤمنين (B) بمقولته الحَكَميَة (2):[رُبَّ أخٍ لم تلده أمك]. وقول الإمام الصادق (B)(3) : [المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشه ولا يعده عدَّة فيخلفه]. وبهذا وغيره يتبيَّن واقع كل من العدو والصديق وموقعهما.
ولكل من هذه العلاقات المُصنَّفة المذكورة استحقاقات في التعامل بحسب الوظيفة الشرعية وبحسب ما يُدركه العقل السليم فيجب على العاقل المُنصف والمتقي مراعاتها لكي لا تختلط الأمور وتضيع الحقوق والاعتبارات فتؤثر على مصداقيته ووعيه كما وتؤثر على واقع المجتمعات والشعوب باتجاه سلبي يُمَكِّن السُفهاء والطُغاة والمنافقين والخائنين من التسلط على مقدرات الناس ومصالحهم وعلاقاتهم والعبث بها وفق نزعات شيطانية مقيتة والعياذ بالله تعالى .
المصدر :
كتاب سلوك الطريق لمعرفة الصديق
لسماحة آية الله الفقيه السيد ابو الحسن حميد المقدس الغريفي -دام ظله-
فعن أبي عبد الله (B) قال: (1)[لا تكون الصداقة إلا بحدودها، فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة ، ومن لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة، فأولها : أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة، والثانية: أن يرى زينك زينه وشينك شينه، والثالثة: أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال، والرابعة: أن لا يمنعك شيئا تناله مقدرته، والخامسة : وهي تجمع هذه الخصال: أن لا يسلمك عند النكبات].
وهذه الرواية عظيمة في بنودها وبيانها لحدود الصداقة وحقوق الأصدقاء، ولأهميتها فهي تستحق وبشكل منفصل أن تُشرَح النقاط العظيمة فيها ولكننا نتعامل معها بما يتناسب وحجم بحثنا ، ولو أنَّ الناس يُراعوا هذه الحدود والحقوق لكان الأفراد والمجتمعات والشعوب والدول تعيش في صداقات حقيقية وحُب وتلاحم وانسجام وقوَّة وسلام وتقدم وازدهار ، ومن هنا نُدرك أهمية مراعاة حدود وضوابط الصداقة ، ومن خلال هذه الرواية وأمثالها يستطيع كل إنسان أن يُحدّد طبيعة ونوعية علاقته مع الآخرين ، فإمّا أن يكون صديقاً أو أخاً كاشراً أو عدواً ، وبهذا يستطيع كل إنسان أن يُقيِّم نفسه ويعرف حجمه ويوزن عمله و يضع نفسه في الجهة التي تُناسب مسلكيته لأنَّ فكره ومنهجه وتطبيقاته تفرض عليه ذلك الموضع وفق منهج الحق والعدل ، وينبغي عليه إذا كان عاقلاً ومؤمنا أن يُحاسب نفسه قبل أن يُحاسَب في الدنيا والآخرة فيكون قد نجا من فتنة الشيطان وتخلَّص من المسؤولية الشرعية واستقر في حياته .
ولكن للأسف الشديد أنَّ غالبية الناس يتبعون الشيطان في تصرفاتهم الباطلة ولا يلتزموا بمراعاة الحقوق بل يعتدي أحدهم على حقوق الآخر سواء كانت مادية أو معنوية ويكذب أحدهم على الآخر ويخون أحدهم الآخر ويتآمر بعضهم على الآخر ويتغير بعضهم على الآخر وينقلب بمجرد حصوله على منصب أو مال كما لا يهتم لقضية الدفاع عن صديقه أمام الظالمين والمنافقين وغير ذلك فتحدث الانشقاقات والنزاعات والخصومات والفتن والعداوات والحروب والدمار .
تعليق على الحدود الخمسة في الرواية :
الحد الأول :
ذكرت الرواية أنَّ من حدود الصداقة هو : [أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة].
ومعنى ذلك أن يكون الإنسان في علاقته صادقاً صدوقاً لا يُظهر لك خلاف ما يُبطن و لا يُخالف قوله عمله لأنَّ هذا الخلاف هو من فعل المنافقين والمتلونين الذين لا يستقرون مع أحد ولا يصدقون في الرأي والمشورة والنصيحة والخبر والعلاقة و... ، وإذا فُقِدَ الشرط الأول من الرواية فإنَّه لا يُمكن أن تنعقد صداقة لأنَّه الخطوة الأولى لعقد الصداقة ولا يصح تخطيه وتجاوزه ، وتُعرف هذه الصفة في الإنسان سلباً أو إيجاباً من خلال كثرة مجالسته ومخالطته ومعاشرته في سفر أو حضر أو باشتهار وشيوع حاله لدى عموم الناس أو ممن اختبره الثقاة الذين يملكون الخبرة والوعي وقد تيقنوا اتصافه بهذه الصفة السلبية أو الإيجابية ، وعلى ضوء التزام الإنسان بالشرط الأول أو عدم التزامه يتحدد الموقف من صداقته أو عدمها .
الحَدّ الثاني :
ذكرت الرواية قوله (B) :[أن يرى زينك زينه وشينك شينه] .
وهذا مصداق أن تُحبَّ لأخيك ما تُحبّه لنفسك وتكره لأخيك ما تكرهه لنفسك، وأن تفرح لفرحه وتحزن لحزنه.. وإذا زانه شيء فيرى ذلك زينه وإذا شانه شيء فيرى ذلك شينه ، وهذا مصداق ما ورد من مضامين حديثية وهي : المؤمن مرآة لأخيه المؤمن ، ويرى نفسه في أخيه المؤمن ، منها قول النبي (2) (1): [لا خير لك في صحبة من لا يرى لك مثل الذي يرى لنفسه] .
الحدّ الثالث :
ذكرت الرواية قوله (B): [أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال] .
وهذا الحَدّ من الشرائط الذي يكاد يكون نادر الحصول لأنَّه بحسب الشيوع بين شعوب العالم وبحسب التجربة أنَّ الإنسان إذا نال ولاية حكومية أو أصبح من الأثرياء فإنَّه يتغير وتنقلب تعاملاته حتى تصل إلى مرتبة التنكر والانقطاع والعياذ بالله ، بل كما هو ثابت أنَّه بعد وفاة الرسول (2) تنافس الصحابة بعده على الخلافة ومن ثمَّ على الأموال ونازعوا الأمر أهله وحصلت الأثرة و...، وحدثت نتيجة انقلابهم وطمعهم انشقاقات وأحزاب وفتن وردة وحروب .
و كان من موارد ذلك ما روي عن أبي عبد الله (B)قال: (2) [لا تسم الرجل صديقا سمة معروفة حتى تختبره بثلاث: تغضبه فتنظر غضبه يخرجه من الحق إلى الباطل ؟ وعند الدينار والدرهم، وحتى تسافر معه].
وأيضاً ما روي عن أمير المؤمنين (B) قوله(1):[لا يعرف الناس إلا بالاختبار، فاختبر أهلك وولدك في غيبتك، وصديقك في مصيبتك، وذا القرابة عند فاقتك، وذا التودد والملق عند عطلتك لتعلم بذلك منزلتك عندهم].
الحَدّ الرابع :
ذكرت الرواية قوله (B) :[أن لا يمنعك شيئا تناله مقدرته].
فالصديق الصدوق لا يمنع صديقه مما يقدر عليه من وجاهة أو مال أو ردِّ عدوان وما إلى ذلك ، ومما قاله أمير المؤمنين (B)في الصديق(2): [فأما أخوان الثقة فهم الكف والجناح والأهل والمال، فإذا كنت من أخيك على حد الثقة فابذل له مالك وبدنك، وصاف من صافاه، وعاد من عاداه، واكتم سره وعيبه، وأظهر منه الحسن، واعلم أيها السائل إنهم أقل من الكبريت الأحمر] .
وفعلاً فهُم أقل من الكبريت الأحمر لندرتهم.
الحدّ الخامس :
ذكرت الرواية قوله (B): [وهي تجمع هذه الخصال: أن لا يسلمك عند النكبات].
النكبة بالفتح المصيبة،وهي الحوادث العظيمة التي يتعرض لها الإنسان،وفي هذا الحال ينبغي لذوي العلاقة أن لا يُسْلِم أي يخذل صديقه في نوائب الدهر ومصائب المحن وأن لا يُعرضه للخسارة والهلكة تأخذ منه مأخذها بل يقف إلى جنبه لإنقاذه وتقويته ونصرته فيكون معه كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضا .
وقد قال الإمام علي (B):(3)[لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في
ثلاث: في نكبته و غيبته ووفاته].
وكما أنَّ الصديق لا يُسْلِم صديقه عند النكبات ولا يخذله ولا يتغير عليه ولا يمنعه مما يقدر عليه ولا يُظهر له خلاف ما يُبطن كذلك من حق الصديق أن يحفظ صديقه في غيبته ووفاته إضافة إلى أن لا يتخذ الصديق عدو صديقه صديقاً له فيجرح مشاعر صديقه ويُغيظه ويُضعف موقفه ويؤدي إلى بناء علاقات مشبوهة ومتزلزلة مما يُربك الوضع الاجتماعي في بناء العلاقات فتُنزع الثقة بين الناس وتتخلخل أواصر بناء مجتمع قوي ، وهذا في جملة ما أشارت إليه نصوص المعصومين (F) في هذا الباب ، ومنها ما قاله الإمام (B) : (1)[لا تتخذن عدو صديقك صديقاً فتعادي صديقك] .
وكان مما روي عن أبي عبد الله (B) أنَّه قال (2): [انظر إلى كل من لا يفيدك منفعة في دينك فلا تعتدن به، ولا ترغبن في صحبته، فان كل ما سوى الله تبارك وتعالى مضمحل وخيم عاقبته] .
وعن أمير المؤمنين (B)(3):[من دعاك إلى الدار الباقية وأعانك على العمل لها فهو الصديق الشفيق] .
وبمجموع ما ذكرنا يُصنَّف الناس بعضهم إلى بعض بثلاثة أصناف وهُم:أخٌ وصديق وعدو.
وربما تكون الأخوة بمعناها العام كالأخوة بين البشر في الإنسانية مع اختلاف أديانهم وهو ما عبَّر عنهم أمير المؤمنين (B) بالنظير في الخلق بلحاظ كونهم ضمن رعية الحاكم كقوله (B) (4): الناس [صنفان : إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق]، وكالأخوة بين أبناء الدين الواحد باعتبارهم أخوان في الدين كالأخوة في الإسلام مثلاً والتي هي مراتب وأعلاها الأخوة الإيمانية لقوله تعالى(1) :[إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ] ، وهذا ما عبَّر عنه مولانا أمير المؤمنين (B) بمقولته الحَكَميَة (2):[رُبَّ أخٍ لم تلده أمك]. وقول الإمام الصادق (B)(3) : [المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشه ولا يعده عدَّة فيخلفه]. وبهذا وغيره يتبيَّن واقع كل من العدو والصديق وموقعهما.
ولكل من هذه العلاقات المُصنَّفة المذكورة استحقاقات في التعامل بحسب الوظيفة الشرعية وبحسب ما يُدركه العقل السليم فيجب على العاقل المُنصف والمتقي مراعاتها لكي لا تختلط الأمور وتضيع الحقوق والاعتبارات فتؤثر على مصداقيته ووعيه كما وتؤثر على واقع المجتمعات والشعوب باتجاه سلبي يُمَكِّن السُفهاء والطُغاة والمنافقين والخائنين من التسلط على مقدرات الناس ومصالحهم وعلاقاتهم والعبث بها وفق نزعات شيطانية مقيتة والعياذ بالله تعالى .
المصدر :
كتاب سلوك الطريق لمعرفة الصديق
لسماحة آية الله الفقيه السيد ابو الحسن حميد المقدس الغريفي -دام ظله-
اضف تعليقك هنا .. شاركنا برأيك .. اي استفسار او اضافة للموضوع ضعه هنا
اذا احببت اختر التعليق باسم : ( الاسم / عنوان url ) اكتب الاسم فقط واترك الخيار الثاني فارغ
ثم اضغط على استمرار واكتب تعليقتك