ما صحّة رواية: أنّ أبو بكر قد جمع بعد وفاة الرسول الأكرم بعض الأحاديث وحرقها، وقال: حسبكم القرآن؟
الاجابة: نعم، لقد أحرق أبو بكر ما جمعه من حديث.
أورد المحبّ الطبري (ت694هـ) في (الرياض النضرة) عن عائشة مرسلاً:
((قالت: جمع أبي الحديث عن رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) فكان خمسمائة
حديث، فبات ليلته يتقلّب، قالت: فغمّني، فقلت: لأيّ شيء تتقلّب لشكوى أو
لشيء بلغك؟ فلمّا أصبح قال: أي بُنيّة هلمّي الأحاديث التي هي عندك، قالت:
فجئته بها، فدعا بنار فأحرقها،
فقلت: ما لك يا أبت تحرقها؟ قال: ما بتّ الليلة خشيت أن أموت وهي عندي، فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت له ولم يكن كما حدّثني، فأكون قد تقلّدت ذلك. خرّجه في فضائله، وقال: غريب))(1).
وفي (كنز العمّال): ((قال الحافظ عماد الدين بن كثير في مسند الصدّيق: الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، حدّثنا بكر بن محمّد الصريفيني بمرو، حدّثنا موسى بن حمّاد، ثنا المفضّل بن غسان، ثنا علي بن صالح، حدّثنا موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن، عن إبراهيم بن عمرو، عن عبيد الله التيمي، حدّثنا القاسم بن محمّد، قال: قالت عائشة: جمع أبي الحديث عن رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)، فكانت خمسمائة حديث، فبات ليلة يتقلّب كثيراً، قالت: فغمّني، فقلت: تتقلّب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلمّا أصبح، قال: أي بنيّة هلمّي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فأحرقها، وقال: خشيت أن أموت وهي عندك، فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به، ولم يكن كما حدّثني، فأكون قد تقلّدت ذلك.
وقد رواه القاضي أبو أُميّة الأحوص بن المفضّل بن غسان الغلابي، عن أبيه، عن علي بن صالح، عن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، عن إبراهيم بن عمر بن عبيد الله التيمي، حدّثني القاسم بن محمّد، أو ابنه عبد الرحمن بن القاسم، شكّ موسى فيهما، قال: قالت عائشة - فذكره وزاد بعد قوله - : ((فأكون قد تقلّدت ذلك، ويكون قد بقي حديث لم أجده، فيقال: لو كان قاله رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) ما غبي على أبي بكر إنّي حدّثتكم الحديث، ولا أدري لعلّي لم أتتبّعه حرفاً حرفاً.
قال ابن كثير: هذا غريب من هذا الوجه جدّاً، وعلي بن صالح لا يعرف، والأحاديث عن رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) أكثر من هذا المقدار بأُلوف، ولعلّه إنّما اتّفق له جمع تلك فقط، ثمّ رأى ما رأى لما ذكرت.
قلت: قال الشيخ جلال الدين السيوطي(رحمه الله تعالى): أو لعلّه جمع ما فاته سماعه من النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) وحدّثه عنه به بعض الصحابة، كحديث الجدّة ونحوه، والظاهر أنّ ذلك لا يزيد على هذا المقدار، لأنّه كان أحفظ الصحابة، وعنده من الأحاديث ما لم يكن عند أحد منهم، كحديث: (ما دفن نبيّ إلاّ حيث يقبض)، ثمّ خشي أن يكون الذي حدّثه وهم فكره تقلّد ذلك، وذلك صريح في كلامه))(2).
ولكن علي بن صالح هو المديني يعرف ممّن روى عنه، ذكره الخطيب البغدادي (ت463هـ) في (المتفق والمفترق)، قال: ((وعلي بن صالح المديني أظنّه زبيرياً روى عنه الزبير بن بكّار الزبيري، والمفضّل بن غسان الغلابي))(3)، وابن حجر في (التقريب) قال: ((علي بن صالح المدني مستور من الحادية عشرة))(4)، وقال في (التهذيب): ((علي بن صالح المدني، عن عامر بن صالح الزبيدي، وعبد الله بن مصعب ويعقوب بن محمّد الزهري، وعنه المفضّل بن غسان، والزبير بن بكّار وغيرهما))(5).
فيكون ما قاله ابن كثير من أنّ ((علي بن صالح لا يعرف)) غفلة أو تغافل، وما قاله الذهبي من أنّ الحديث لا يصحّ(6)، تعمية عن الحقّ، حيث لم يذكر لماذا لا يصحّ! والرواة غير علي بن صالح ثقاة، وعلي بن صالح مقبول.
وأمّا ما قاله ابن كثير من أنّ الأحاديث عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) بالأُلوف فهو لا يدفع الشنعة عن أبي بكر في إحراقه الخمسمائة التي عنده أيّاً كانت العلّة في اقتصاره عليها دون الأُلوف.
وأمّا ما قاله السيوطي من أنّ أبا بكر أحفظ الصحابة، فهو أوّل الكلام!
نعم، لا ننكر أنّه لا بدّ وأن يكون وعى عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) العشرات من الأحاديث، ولكن يمكن له إغفالها بأن لا يحدّث بها، وبالإحراق تذهب الخمسمائة المكتوبة عن غيره أيضاً، فيكون حقّق بذلك مطلوبه في المنع من استمرار بقاء سُنّة رسول الله(صلّى الله عليه وآله) حيّة حجّة، لأنّ كل حديث منها لا بدّ من أن يكون شاخصاً لقياس مدى التزام من جاء بعده بنهجه، فيكون فيها من التقييد والتحديد ما تنسد به كثير من الأبواب والمخارج التي يحتاج إليها لتحقيق أغراضه، والعلّة التي ذكرها أبو بكر من خشيته وهم من حدّثه وإنّ كان مؤتمناً تصدق على كلّ من حدّث عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) حتّى هو، وبالتالي سيتطرّق الشكّ إلى كلّ سُنّة رسول الله(صلّى الله عليه وآله)! وهو الهدف الأقصى الذي قصدوا به السُنّة.
ومن هنا روي مرسلاً عن أبي مليكة: ((أنّ أبا بكر جمع أصحاب رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)، فقال: إنّكم تحدّثون عن رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)، أحاديث تختلفون فيها، فمن بعدكم أشدّ اختلافاً، فمن جاءكم يسألكم الحديث عن رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)، فقولوا: عندنا كتاب الله فأحلّوا حلاله وحرّموا حرامه))(7).
فهذا صريح في الأمر بترك السُنّة والاكتفاء بالقرآن، وطبق العبارة المشهورة لعمر: (حسبنا كتاب الله).
وأمّا ما ادّعاه السيوطي من انفراد أبي بكر بحديث: (ما دفن نبيّ إلاّ حيث قبض)، فأصله ادّعاء عائشة انفراد أبيها بهذا العلم، وإلاّ فالواقع يكذّبه! حيث لم يحضر أبو بكر دفن النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، بل تركه وأسرع إلى سقيفة بني ساعدة ينازع على السلطان، وإنّما هو مأثور عن عليّ(عليه السلام) الذي تولّى دفن النبيّ(صلّى الله عليه وآله).
نعم، انفرد أبو بكر بالتحديث عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) بـ(إنّا لا نورّث ما تركناه صدقة)! وكذّبه في ذلك فاطمة وعليّ(عليهما السلام)، وكذا العبّاس.
ودمتم في رعاية الله
(1) الرياض النضرة في مناقب العشرة 1: 199 القسم الثاني، الباب الأوّل، الفصل الثاني عشر، ذكر ورعه.
فقلت: ما لك يا أبت تحرقها؟ قال: ما بتّ الليلة خشيت أن أموت وهي عندي، فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت له ولم يكن كما حدّثني، فأكون قد تقلّدت ذلك. خرّجه في فضائله، وقال: غريب))(1).
وفي (كنز العمّال): ((قال الحافظ عماد الدين بن كثير في مسند الصدّيق: الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، حدّثنا بكر بن محمّد الصريفيني بمرو، حدّثنا موسى بن حمّاد، ثنا المفضّل بن غسان، ثنا علي بن صالح، حدّثنا موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن، عن إبراهيم بن عمرو، عن عبيد الله التيمي، حدّثنا القاسم بن محمّد، قال: قالت عائشة: جمع أبي الحديث عن رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)، فكانت خمسمائة حديث، فبات ليلة يتقلّب كثيراً، قالت: فغمّني، فقلت: تتقلّب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلمّا أصبح، قال: أي بنيّة هلمّي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فأحرقها، وقال: خشيت أن أموت وهي عندك، فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به، ولم يكن كما حدّثني، فأكون قد تقلّدت ذلك.
وقد رواه القاضي أبو أُميّة الأحوص بن المفضّل بن غسان الغلابي، عن أبيه، عن علي بن صالح، عن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، عن إبراهيم بن عمر بن عبيد الله التيمي، حدّثني القاسم بن محمّد، أو ابنه عبد الرحمن بن القاسم، شكّ موسى فيهما، قال: قالت عائشة - فذكره وزاد بعد قوله - : ((فأكون قد تقلّدت ذلك، ويكون قد بقي حديث لم أجده، فيقال: لو كان قاله رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) ما غبي على أبي بكر إنّي حدّثتكم الحديث، ولا أدري لعلّي لم أتتبّعه حرفاً حرفاً.
قال ابن كثير: هذا غريب من هذا الوجه جدّاً، وعلي بن صالح لا يعرف، والأحاديث عن رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) أكثر من هذا المقدار بأُلوف، ولعلّه إنّما اتّفق له جمع تلك فقط، ثمّ رأى ما رأى لما ذكرت.
قلت: قال الشيخ جلال الدين السيوطي(رحمه الله تعالى): أو لعلّه جمع ما فاته سماعه من النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) وحدّثه عنه به بعض الصحابة، كحديث الجدّة ونحوه، والظاهر أنّ ذلك لا يزيد على هذا المقدار، لأنّه كان أحفظ الصحابة، وعنده من الأحاديث ما لم يكن عند أحد منهم، كحديث: (ما دفن نبيّ إلاّ حيث يقبض)، ثمّ خشي أن يكون الذي حدّثه وهم فكره تقلّد ذلك، وذلك صريح في كلامه))(2).
ولكن علي بن صالح هو المديني يعرف ممّن روى عنه، ذكره الخطيب البغدادي (ت463هـ) في (المتفق والمفترق)، قال: ((وعلي بن صالح المديني أظنّه زبيرياً روى عنه الزبير بن بكّار الزبيري، والمفضّل بن غسان الغلابي))(3)، وابن حجر في (التقريب) قال: ((علي بن صالح المدني مستور من الحادية عشرة))(4)، وقال في (التهذيب): ((علي بن صالح المدني، عن عامر بن صالح الزبيدي، وعبد الله بن مصعب ويعقوب بن محمّد الزهري، وعنه المفضّل بن غسان، والزبير بن بكّار وغيرهما))(5).
فيكون ما قاله ابن كثير من أنّ ((علي بن صالح لا يعرف)) غفلة أو تغافل، وما قاله الذهبي من أنّ الحديث لا يصحّ(6)، تعمية عن الحقّ، حيث لم يذكر لماذا لا يصحّ! والرواة غير علي بن صالح ثقاة، وعلي بن صالح مقبول.
وأمّا ما قاله ابن كثير من أنّ الأحاديث عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) بالأُلوف فهو لا يدفع الشنعة عن أبي بكر في إحراقه الخمسمائة التي عنده أيّاً كانت العلّة في اقتصاره عليها دون الأُلوف.
وأمّا ما قاله السيوطي من أنّ أبا بكر أحفظ الصحابة، فهو أوّل الكلام!
نعم، لا ننكر أنّه لا بدّ وأن يكون وعى عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) العشرات من الأحاديث، ولكن يمكن له إغفالها بأن لا يحدّث بها، وبالإحراق تذهب الخمسمائة المكتوبة عن غيره أيضاً، فيكون حقّق بذلك مطلوبه في المنع من استمرار بقاء سُنّة رسول الله(صلّى الله عليه وآله) حيّة حجّة، لأنّ كل حديث منها لا بدّ من أن يكون شاخصاً لقياس مدى التزام من جاء بعده بنهجه، فيكون فيها من التقييد والتحديد ما تنسد به كثير من الأبواب والمخارج التي يحتاج إليها لتحقيق أغراضه، والعلّة التي ذكرها أبو بكر من خشيته وهم من حدّثه وإنّ كان مؤتمناً تصدق على كلّ من حدّث عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) حتّى هو، وبالتالي سيتطرّق الشكّ إلى كلّ سُنّة رسول الله(صلّى الله عليه وآله)! وهو الهدف الأقصى الذي قصدوا به السُنّة.
ومن هنا روي مرسلاً عن أبي مليكة: ((أنّ أبا بكر جمع أصحاب رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)، فقال: إنّكم تحدّثون عن رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)، أحاديث تختلفون فيها، فمن بعدكم أشدّ اختلافاً، فمن جاءكم يسألكم الحديث عن رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)، فقولوا: عندنا كتاب الله فأحلّوا حلاله وحرّموا حرامه))(7).
فهذا صريح في الأمر بترك السُنّة والاكتفاء بالقرآن، وطبق العبارة المشهورة لعمر: (حسبنا كتاب الله).
وأمّا ما ادّعاه السيوطي من انفراد أبي بكر بحديث: (ما دفن نبيّ إلاّ حيث قبض)، فأصله ادّعاء عائشة انفراد أبيها بهذا العلم، وإلاّ فالواقع يكذّبه! حيث لم يحضر أبو بكر دفن النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، بل تركه وأسرع إلى سقيفة بني ساعدة ينازع على السلطان، وإنّما هو مأثور عن عليّ(عليه السلام) الذي تولّى دفن النبيّ(صلّى الله عليه وآله).
نعم، انفرد أبو بكر بالتحديث عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) بـ(إنّا لا نورّث ما تركناه صدقة)! وكذّبه في ذلك فاطمة وعليّ(عليهما السلام)، وكذا العبّاس.
ودمتم في رعاية الله
اضف تعليقك هنا .. شاركنا برأيك .. اي استفسار او اضافة للموضوع ضعه هنا
اذا احببت اختر التعليق باسم : ( الاسم / عنوان url ) اكتب الاسم فقط واترك الخيار الثاني فارغ
ثم اضغط على استمرار واكتب تعليقتك