حينما يضع الإنسان نُصب عينيه الطُرق المختلفة والمتناقضة في علاقات الناس على مختلف أصنافهم كان لابد له أن يسلك أحدها بمقتضى حركته داخل المجتمعات والشعوب ولا يكون اختيار الطريق عبثياً وفوضويا من دون شوق نفسي وإرادة وتحرك خارجي نحو مختاره ، ولكن اختلاف الناس في اختيار الطُرق إنما يكون تبعاً لتفاوت عقولهم ومداركهم واختلاف أهوائهم ومصالحهم
ومعتقداتهم ، ولذا يتعدد أصناف الناس في علاقاتهم بحسب توجهاتهم ومسلكياتهم إلى الصديق والأخ الكاشر (الصاحب) والعدو ، ولا تخرج هذه الأصناف من الحيثية الدينية عن اتصاف الفرد منها بالمؤمن أو الفاسق أو المنافق أو المُشرك أو الكافر ، وعلى ضوء مقياس العقل السليم والشرع الصحيح الذي لا ينفك أحدهما عن الآخر يتم فرز الحق والباطل ، والعدل والظلم ، والحسن والقبيح ، والصديق والعدو . ومن هنا فإنَّ الإنسان العاقل المتشرِّع لو خُيِّر بين مواصلة صداقاته أو الارتماء في أحضان الأعداء لأجل مصالح دنيوية واعتبارات وهمية فإنَّه سيختار البقاء على صداقاته ، ولو خُيِّر بين أن يكون مخلصاً وفياً صادقاً مدافعاً عن الحق وبين أن يكون خائناً وكاذباً لدواعي وإغراءات دنيوية فإنَّه سيختار الإخلاص والوفاء والصدق ، ولو خُيِّر بين أرباب الحق وأرباب الباطل فإنَّه سيختار الوقوف مع أرباب الحق ، ولو خُيِّر بين أن يتخذ موقفاً رسالياً شريفاً مَرْضيِّاً عند الله تعالى وشرفاء الناس وبين أن يتخذ موقفاً سيئاً وخيانياً فيه غضب الله وغضب شرفاء الناس فإنَّه سيختار الموقف الرسالي الشريف ، ولو خُيِّر بين أن تُحفظ له أعماله السابقة أو تحبط أعماله فإنَّه سيختار الموقف الذي تحفظ له أعماله ومواقفه الحسَنَة ، ولو خُيِّرَ بين أن يسلك الطريق الذي يؤدي به إلى حُسن العاقبة أو إلى سوء العاقبة فإنَّه سيختار الطريق إلى حسن العاقبة وما إلى ذلك من الخيارات الكثيرة ، ولذا جعل الله تعالى للمتقين الصادقين الذين يصبرون على الحق ولا يَمِلُّونه ولا يسأمونه ولا يُضيِّعونه منزلة عظيمة ووجاهة في الدنيا و لهم في الآخرة الشفاعة لإخوانهم المؤمنين الثابتين معهم على الحق كما في وصية رسول الله (6) لابن مسعود (1) حيث قال :[فليكن جلساؤك الأبرار، وإخوانك الأتقـــياء الزهّــــاد لأنَّ الله تعالـى قال في كتابه : (2) (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)].
فالمتقي يحفظ صداقاته في الدنيا والآخرة وهذا من ثباته ومصداقيته وصبره ورجاحة عقله الذي ارتبط في علاقاته على ضوء العقل السليم والشرع الصحيح ، فتكون آية الأخِلاَّء السابقة التي وردت في الحديث الشريف مُخصِّصة لآية أخرى وهي قوله تعالى(3) : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ] ، فتكون الآية في مقام تصف فيه مشهداً من مشاهد يوم القيامة الذي تنفصم فيه عرى العلاقات الأخوية والصداقة ، إلاّ العلاقات التي قامت لله وفي الله تعالى كما هو مستثنى الآية [إلاّ المتقين] الذين تبقى روابط صداقتهم وأواصر مودّتهم خالدة ، لأنّها تدور في فلك الخلود الإلهي الذي تتركز فيه الفضائل والكمال .
ثمَّ إنَّ الأخلاّء والخُلَّة في الآيتين الكريمتين إنَّما هي تعبير عن غاية الصداقة لأنَّ الأخلاء جمع خليل وهي مأخوذة من مادة - خُلَّة- بمعنى المودة والمحبَّة التي تخللت قلبه ، فصارت خلاله .
وقد ذكر القرطبي في تفسيره عن الخلَّة بقوله (1) : [والخلة بين الآدميين الصداقة، مشتقة من تخلل الأسرار بين المتخالين. وقيل: هي من الخلة فكل واحد من الخليلين يسد خلة صاحبه].
ولكن سرعان ما تنقلب هذه الخُلَّة في يوم القيامة من المودة إلى العداوة ومن الموالاة إلى البراءة فيما لو بُنِيَت على الفساد والشرِّ والمعاصي والرياء أي أنَّها تقع في غير الله عزّ وجل ، ولذا يقول الإمام الصادق (B) :(2)[ألا كُل خُلّة كانت في الدنيا في غير الله عزَّ وجلّ فإنّها تصير عداوة يوم القيامة] .
ولقد أحسن من قال:
ولذا ينبغي أن يتخذ الإنسان خليله حُبَّاً في الله تعالى بعيداً عن الدوافع الشيطانية والمصالح الدنيوية حتى يكون بناءه صحيحاً يستند إليه في الدنيا والآخرة .
وعن أبي عبد الله (B) أنه قال(3): [لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم، قال رسول الله (6): المرء على دين خليله وقرينه].
وقال النبي (6)(4): [الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل].
ولقد أحسن مَن قال :
وقال حسان بن ثابت L(1):
ولذا فإنَّ كلّ خلَّة في غير الله تصير عداوة يوم القيامة حيث يتنكر ويبرأ أحدهما من الآخر لكون صداقتهم قد بُنيت في الدنيا على أساس باطل ومنحرف وسارت في طريق الضلال ودخلت بينهم المودة والمجاملات الوهمية وراهنوا عليها لتحصيل النجاح والخلاص والعِزَّة والكرامة ، ولكنهم حينما يرون نتائج أعمالهم الوخيمة وينكشف الواقع أمامهم في يوم القيامة فيلعن لذلك بعضهم بعضاً ويبرأ بعضهم من بعض .
وهنا ينبغي للعاقل أن لا يعقد صداقة وخُلّة وولاء وبطانة مع الفاسدين والظالمين والمنحرفين ، فقد قال تعالى(2): [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَاتُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ].
والبطانة :مأخوذة من بطانة الثوب، وهي في المقام كناية عن خاصة الرجل الذين يستبطنون أمره ويطلعون على أسراره.
والخَبال في الأصل : بمعنى ذهاب شيء، وهي تطلق في الأغلب على الأضرار التي تؤثر على عقل الإنسان وتلحق به الضرر.
ولذا لابد من الحذر والابتعاد عن اتخاذ بطانة فاسدة ومنحرفة لأنها تطلع على الأسرار والخُطط والمناهج والعلاقات وآليات العمل وتتصيد نقاط الضعف وبالتالي تستثمرها للابتزاز والمساومة بإزاء تمرير مصالح عدوانية وإشاعة ثقافة منحرفة كالاستسلام للعدو والتطبيع معه وما إلى ذلك و لا أقل من نقل المعلومات إلى الأعداء لإحداث فتن ومشاكل وضرر بالآخرين ، وعلى سبيل المثال فلو أنَّ جماعة قامت بعدوان على جماعة أخرى فاغتصبت حقوقهم وسرقت ممتلكاتهم وكتبت التقارير الظالمة الجائرة إلى الحُكّام وأشاعت الدعايات المُضلِّلة الكاذبة للتسقيط وزجَّت كثيراً منهم في السجون بعدما اقتحمت دورهم الأجهزة الأمنية المتعاونة مع الفاسدين المنحرفين وسالت الدماء من بعضهم الآخر بالعدوان الهمجي البربري غيلة بالأسلحة النارية والأدوات الجارحة ووقع نتيجة تداعيات هذه الأمور عالماً شهيداً وهتكوا الحرمات والمقدّسات، كما قد ضَيَّقوا على تلك الجماعة المؤمنة ومنعوهم من تحصيل وظائف داخل الدولة وحاربوهم في أرزاقهم وفي استعادة جزء بسيط من حقوقهم مستعينين بسلطة الحكومة الظالمة ومع هذا وغيره مما هو كثير لا يوصف في الفساد والإفساد داخل المجتمع وخلق الفوضى وممارسة الإرهاب إضافة إلى كون تاريخ هؤلاء المعتدين أسوداً مملوءاً بدماء الناس الأبرياء ففي هذه الصورة المبسطة لهذه الجماعة العدوانية الظالمة وأمثالها التي هي بعيدة عن الدين والتدين والأخلاق فهل يجوز شرعاً وعقلاً وعرفاً مودتهم ومداهنتهم ومجاملتهم والتعاون معهم في مسيرتهم أو فعل ما يؤدي إلى تقويتهم مادياً ومعنوياً ومنحهم مشروعية عمل في السِّر أو العَلَن ؟!!! .
والجواب واضح من القرآن والسُنَّة وعقلاء الناس ، حيث أنَّ الاستسلام لهذه الجماعة وأمثالها والخنوع لهم والتطبيع معهم ومودتهم من المحرمات المؤكدة في الشريعة لكونهم أعداء لله تعالى ولرسوله (6) وللأئمة (F) ولسائر المؤمنين ، كما يوصف فعلهم بالخزي والعار والذلَّة حيث يُتخذ الذليل الخائن أداة من قبل الأعداء لتضليل الناس وإشاعة الفساد وتضييع الحقوق ، ولذا حذَّر الله تعالى مودة الأعداء حيث قال تعالى:(1)[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ].
وقوله تعالى: (2)[وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ].
ولذا لابد للإنسان أن يقطع صلته بالخائنين والأعداء الذين لا يستجيبون لنداء الحق والعدل كأحد وسائل الردع الممكنة من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتكون المقاطعة مدعاة للصدق والمحبة والمودة للمؤمنين والقرب إلى الله تعالى ، ومَنْ يعجز من الأصدقاء أو يجبن أو يُصيبه الملل أو يبحث عن الراحة في اتخاذ خطوات ووسائل شرعية يتحرك فيها للضغط على الأعداء من أجل تحقيق العدالة واسترجاع الحقوق فينبغي عليه شرعاً وعقلاً وعرفاً أن لا يتراجع إلى الوراء لدرجة الخيانة والعمل على تقوية الأعداء وطمأنتهم وأن لا يوصل أصحابه إلى الضعف وتأخيرهم عن أداء واجباتهم وإعاقة مسيرتهم لاستعادة حقوقهم ، ومن يفعل ذلك فإنَّه يدخل في دائرة النفاق والخيانة ، بل أنَّه يعمل واقعاً شاءَ أم أبى على تفكيك وحدة جماعة المظلومين والمستضعفين وضرب تماسكهم واستقلالهم وأهدافهم ، ولذا مَنْ لا يستطيع جلب الخير لأصحابه فلا أقل أنَّه يجب عليه أن لا يجلب لهم الشر والوهن والاستسلام والتطبيع المهين ، وينبغي للتوضيح أكثر في وصف الحال للعالَم أجمع هو أنَّ ما قام به اليهود في فلسطين من احتلالها وسرقتها وحرقها مع شعبها في حروب دموية شاملة وإشاعة الإرهاب والفساد في البر والبحر وتهجير أهلها والإساءة إلى المقدسات وما إلى ذلك مما هو معروف عند الجميع ومما لا تحده كتابة مجلدات كثيرة عنهم فيما ارتكبوه من فضائح وجرائم ومحارق وإبادة بحق الإنسانية ، فهل يجوز إقامة علاقة معهم في أقل مراتبها من المجاملة وعقد الاتفاقيات السياسية والصفقات التجارية والتطبيع الاجتماعي وما إلى ذلك؟ ، فحتماً لا يجوز موالاة هؤلاء وأمثالهم واحترامهم والركون إليهم ولو في أقل المراتب لأنَّ هؤلاء أعداء لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين ولا يقول خلاف ذلك إلا مَن كان منهم وجزء من واقعهم بأيِّ نحوٍ من الأنحاء ، وقد قال تعالى(1) : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ].
وقوله تعالى(2) : [لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ *إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ].
ولذا يجب الفرز والتمييز بين الناس على أساس الحق والعدل والصداقة الصدوقة وترتيب الآثار والمواقف الشرعية على ذلك ، كما ينبغي الابتعاد عمّا يوقع الإنسان في الوهم والضلالة باختيار صداقات متوهمة تلبس لبوس الصداقة كما كان يفعل البعثيون الصداميون في عهد الطاغية المقبور وكذا بعد سقوطه وهكذا حال النفعيين الانتهازيين اليوم ، فيكون جميع هؤلاء من البعثيين القدامى والبعثيين الجُدد الذين لا يحفظون خيراً ولا عهداً ولا ذمَّة للناس فيعملون بالكذب والنفاق والغدر والخيانة والسرقة وهتك الأعراض والإساءة إلى الرموز والمقدسات وسفك الدماء و تضييع الحقوق ... ، وهذا يفرض على الإنسان أن يختار صداقاته وعلاقاته عن وعي ووفق ضوابط إيمانية ويحفظها ليحفظه الله تعالى من الشرور كما عن الصادق (B): (1)[إن الله جَلَّ ذكره لَيَحفَظ مَنْ يَحفظ صديقه] .
و قال النبي (6)للحسن بن علي (B)(2):[اعمل بفرائض الله تكن من أتقى الناس، وارض بما قسم الله تكن أغنى الناس، وكف عن محارم الله تكن أورع الناس، وأحسن مجاورة من جاورك تكن مؤمنا، وأحسن مصاحبة من صاحبك تكن مسلما].
وقال الإمام الصادق(B):(3) [أوصيكم بتقوى الله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الصحابة لمن صاحبكم، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، صلوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واتبعوا جنائزهم] .
وكان فيما أوصى به رسول الله (2) عليا (B):(4) [.... يا علي من لم تنتفع بدينه ودنياه فلا خير لك في مجالسته، ومن لم يوجب لك فلا توجب له ولا كرامة].
وروي عن النبي (2) أنه قال(5): [إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له وزيرا صالحا إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه].
إذن حفظ الصديق وحسن مصاحبته إنما يحصل بمودته وحبِّه ورعاية مشاعره وإعانته ودفع المكاره عنه وجلب المنافع له والنصيحة الصادقة له والوفاء له ، وهذا الالتزام في حفظ الصديق هو بذرة قابلة للنمو والتكاثر والانتشار لتصبح ثقافة سائدة في المجتمعات فتقوى بها الأمَّة والجماعات وتنال حقوقها وتسترد عافيتها وتزدهر في ثقافتها وواقعها بمختلف المجالات وتؤسس لمجتمع فاضل وقوي وعزيز ، ويكون هذا من جملة ما يؤدي إلى ضعف الأعداء واندحارهم إلى ما يستحقون ، ثمَّ إنَّ من يحفظ صديقه فإنَّ الله تعالى يحفظه من السوء والمكاره و..، كما أنَّ أداء وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمراتبها لا تمنع رزقاً ولا تُقدّم أجلاً ولا تُفقد عزّا وكرامة لأنها أمور بيد الله تعالى القوي العزيز الرازق المُحيي والمميت وهذا هو المعتقد السليم للمؤمنين الرساليين الصادقين وفيه قوله تعالى :(1)[وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ] ، حيث يُروِّج المنافقون والخائنون والنفعيون على أنَّهم أعزاء بخلاف ما عليه المؤمنون ولكنَّهم يكذبون وينكشف زيفهم من خلال واقعهم السيئ المنحرف ونفور شرفاء الناس عنهم وارتكابهم المعاصي ووقوعهم تحت الغضب الإلهي وقد قال تعالى :(2)[وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ] ، ومن وصايا
الإمام الصادق (B) لسفيان الثوري قوله (3):[من أراد عزا بلا عشيرة وغنى بلا مال وهيبة بلا سلطان فلينقل من ذل معصية الله إلى عز طاعته] ، وهنا يخسر المنافقون والخائنون والمرتزقة الذين يتعاملون في علاقاتهم وفق حسابات دنيوية مادية ويحملون شعاراً وهو(المصلحة فوق كلِّ اعتبار) ، ويكون نتيجة المقام أنَّ قطع العلاقة مع دولة أو جماعة أو فردٍ لأسباب و دواعي حقيقية إيمانية لا يُقلل الأصدقاء بل يحفظهم من السوء والتفرق ويجعلهم في حصنٍ يمنع عنهم الوقوع في الضلالة والفساد والتفرق والانهيار، حيث قال تعالى:(1)[مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ].
ومعتقداتهم ، ولذا يتعدد أصناف الناس في علاقاتهم بحسب توجهاتهم ومسلكياتهم إلى الصديق والأخ الكاشر (الصاحب) والعدو ، ولا تخرج هذه الأصناف من الحيثية الدينية عن اتصاف الفرد منها بالمؤمن أو الفاسق أو المنافق أو المُشرك أو الكافر ، وعلى ضوء مقياس العقل السليم والشرع الصحيح الذي لا ينفك أحدهما عن الآخر يتم فرز الحق والباطل ، والعدل والظلم ، والحسن والقبيح ، والصديق والعدو . ومن هنا فإنَّ الإنسان العاقل المتشرِّع لو خُيِّر بين مواصلة صداقاته أو الارتماء في أحضان الأعداء لأجل مصالح دنيوية واعتبارات وهمية فإنَّه سيختار البقاء على صداقاته ، ولو خُيِّر بين أن يكون مخلصاً وفياً صادقاً مدافعاً عن الحق وبين أن يكون خائناً وكاذباً لدواعي وإغراءات دنيوية فإنَّه سيختار الإخلاص والوفاء والصدق ، ولو خُيِّر بين أرباب الحق وأرباب الباطل فإنَّه سيختار الوقوف مع أرباب الحق ، ولو خُيِّر بين أن يتخذ موقفاً رسالياً شريفاً مَرْضيِّاً عند الله تعالى وشرفاء الناس وبين أن يتخذ موقفاً سيئاً وخيانياً فيه غضب الله وغضب شرفاء الناس فإنَّه سيختار الموقف الرسالي الشريف ، ولو خُيِّر بين أن تُحفظ له أعماله السابقة أو تحبط أعماله فإنَّه سيختار الموقف الذي تحفظ له أعماله ومواقفه الحسَنَة ، ولو خُيِّرَ بين أن يسلك الطريق الذي يؤدي به إلى حُسن العاقبة أو إلى سوء العاقبة فإنَّه سيختار الطريق إلى حسن العاقبة وما إلى ذلك من الخيارات الكثيرة ، ولذا جعل الله تعالى للمتقين الصادقين الذين يصبرون على الحق ولا يَمِلُّونه ولا يسأمونه ولا يُضيِّعونه منزلة عظيمة ووجاهة في الدنيا و لهم في الآخرة الشفاعة لإخوانهم المؤمنين الثابتين معهم على الحق كما في وصية رسول الله (6) لابن مسعود (1) حيث قال :[فليكن جلساؤك الأبرار، وإخوانك الأتقـــياء الزهّــــاد لأنَّ الله تعالـى قال في كتابه : (2) (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)].
فالمتقي يحفظ صداقاته في الدنيا والآخرة وهذا من ثباته ومصداقيته وصبره ورجاحة عقله الذي ارتبط في علاقاته على ضوء العقل السليم والشرع الصحيح ، فتكون آية الأخِلاَّء السابقة التي وردت في الحديث الشريف مُخصِّصة لآية أخرى وهي قوله تعالى(3) : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ] ، فتكون الآية في مقام تصف فيه مشهداً من مشاهد يوم القيامة الذي تنفصم فيه عرى العلاقات الأخوية والصداقة ، إلاّ العلاقات التي قامت لله وفي الله تعالى كما هو مستثنى الآية [إلاّ المتقين] الذين تبقى روابط صداقتهم وأواصر مودّتهم خالدة ، لأنّها تدور في فلك الخلود الإلهي الذي تتركز فيه الفضائل والكمال .
ثمَّ إنَّ الأخلاّء والخُلَّة في الآيتين الكريمتين إنَّما هي تعبير عن غاية الصداقة لأنَّ الأخلاء جمع خليل وهي مأخوذة من مادة - خُلَّة- بمعنى المودة والمحبَّة التي تخللت قلبه ، فصارت خلاله .
وقد ذكر القرطبي في تفسيره عن الخلَّة بقوله (1) : [والخلة بين الآدميين الصداقة، مشتقة من تخلل الأسرار بين المتخالين. وقيل: هي من الخلة فكل واحد من الخليلين يسد خلة صاحبه].
ولكن سرعان ما تنقلب هذه الخُلَّة في يوم القيامة من المودة إلى العداوة ومن الموالاة إلى البراءة فيما لو بُنِيَت على الفساد والشرِّ والمعاصي والرياء أي أنَّها تقع في غير الله عزّ وجل ، ولذا يقول الإمام الصادق (B) :(2)[ألا كُل خُلّة كانت في الدنيا في غير الله عزَّ وجلّ فإنّها تصير عداوة يوم القيامة] .
ولقد أحسن من قال:
من لم تكن في الله خلته * فخليلـه منـه عـلى خـطر
ولذا ينبغي أن يتخذ الإنسان خليله حُبَّاً في الله تعالى بعيداً عن الدوافع الشيطانية والمصالح الدنيوية حتى يكون بناءه صحيحاً يستند إليه في الدنيا والآخرة .
وعن أبي عبد الله (B) أنه قال(3): [لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم، قال رسول الله (6): المرء على دين خليله وقرينه].
وقال النبي (6)(4): [الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل].
ولقد أحسن مَن قال :
إذا ما كنت متخذا خليلا * فلا تثقن بكل أخي إخاء
فإن خيرت بينهم فألصق * بأهل العقل منهم والحياء
فإن العقل ليس له إذا ما * تفاضلت الفضائل من كفاء
فإن خيرت بينهم فألصق * بأهل العقل منهم والحياء
فإن العقل ليس له إذا ما * تفاضلت الفضائل من كفاء
وقال حسان بن ثابت L(1):
أخــلاء الـرجال هـم كـثـــيـر * ولكن في البلاء هم قلـيــل
فـلا تـغررك خـلة من تؤاخي * فـما لك عنـد نائـبة خلـيــل
وكـل أخ يـــقـول أنــا وفــــــي * ولكن ليس يفعل ما يقول
سوى خــل لــه حسـب ودين * فذاك لما يقول هو الفعول .
فـلا تـغررك خـلة من تؤاخي * فـما لك عنـد نائـبة خلـيــل
وكـل أخ يـــقـول أنــا وفــــــي * ولكن ليس يفعل ما يقول
سوى خــل لــه حسـب ودين * فذاك لما يقول هو الفعول .
ولذا فإنَّ كلّ خلَّة في غير الله تصير عداوة يوم القيامة حيث يتنكر ويبرأ أحدهما من الآخر لكون صداقتهم قد بُنيت في الدنيا على أساس باطل ومنحرف وسارت في طريق الضلال ودخلت بينهم المودة والمجاملات الوهمية وراهنوا عليها لتحصيل النجاح والخلاص والعِزَّة والكرامة ، ولكنهم حينما يرون نتائج أعمالهم الوخيمة وينكشف الواقع أمامهم في يوم القيامة فيلعن لذلك بعضهم بعضاً ويبرأ بعضهم من بعض .
وهنا ينبغي للعاقل أن لا يعقد صداقة وخُلّة وولاء وبطانة مع الفاسدين والظالمين والمنحرفين ، فقد قال تعالى(2): [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَاتُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ].
والبطانة :مأخوذة من بطانة الثوب، وهي في المقام كناية عن خاصة الرجل الذين يستبطنون أمره ويطلعون على أسراره.
والخَبال في الأصل : بمعنى ذهاب شيء، وهي تطلق في الأغلب على الأضرار التي تؤثر على عقل الإنسان وتلحق به الضرر.
ولذا لابد من الحذر والابتعاد عن اتخاذ بطانة فاسدة ومنحرفة لأنها تطلع على الأسرار والخُطط والمناهج والعلاقات وآليات العمل وتتصيد نقاط الضعف وبالتالي تستثمرها للابتزاز والمساومة بإزاء تمرير مصالح عدوانية وإشاعة ثقافة منحرفة كالاستسلام للعدو والتطبيع معه وما إلى ذلك و لا أقل من نقل المعلومات إلى الأعداء لإحداث فتن ومشاكل وضرر بالآخرين ، وعلى سبيل المثال فلو أنَّ جماعة قامت بعدوان على جماعة أخرى فاغتصبت حقوقهم وسرقت ممتلكاتهم وكتبت التقارير الظالمة الجائرة إلى الحُكّام وأشاعت الدعايات المُضلِّلة الكاذبة للتسقيط وزجَّت كثيراً منهم في السجون بعدما اقتحمت دورهم الأجهزة الأمنية المتعاونة مع الفاسدين المنحرفين وسالت الدماء من بعضهم الآخر بالعدوان الهمجي البربري غيلة بالأسلحة النارية والأدوات الجارحة ووقع نتيجة تداعيات هذه الأمور عالماً شهيداً وهتكوا الحرمات والمقدّسات، كما قد ضَيَّقوا على تلك الجماعة المؤمنة ومنعوهم من تحصيل وظائف داخل الدولة وحاربوهم في أرزاقهم وفي استعادة جزء بسيط من حقوقهم مستعينين بسلطة الحكومة الظالمة ومع هذا وغيره مما هو كثير لا يوصف في الفساد والإفساد داخل المجتمع وخلق الفوضى وممارسة الإرهاب إضافة إلى كون تاريخ هؤلاء المعتدين أسوداً مملوءاً بدماء الناس الأبرياء ففي هذه الصورة المبسطة لهذه الجماعة العدوانية الظالمة وأمثالها التي هي بعيدة عن الدين والتدين والأخلاق فهل يجوز شرعاً وعقلاً وعرفاً مودتهم ومداهنتهم ومجاملتهم والتعاون معهم في مسيرتهم أو فعل ما يؤدي إلى تقويتهم مادياً ومعنوياً ومنحهم مشروعية عمل في السِّر أو العَلَن ؟!!! .
والجواب واضح من القرآن والسُنَّة وعقلاء الناس ، حيث أنَّ الاستسلام لهذه الجماعة وأمثالها والخنوع لهم والتطبيع معهم ومودتهم من المحرمات المؤكدة في الشريعة لكونهم أعداء لله تعالى ولرسوله (6) وللأئمة (F) ولسائر المؤمنين ، كما يوصف فعلهم بالخزي والعار والذلَّة حيث يُتخذ الذليل الخائن أداة من قبل الأعداء لتضليل الناس وإشاعة الفساد وتضييع الحقوق ، ولذا حذَّر الله تعالى مودة الأعداء حيث قال تعالى:(1)[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ].
وقوله تعالى: (2)[وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ].
ولذا لابد للإنسان أن يقطع صلته بالخائنين والأعداء الذين لا يستجيبون لنداء الحق والعدل كأحد وسائل الردع الممكنة من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتكون المقاطعة مدعاة للصدق والمحبة والمودة للمؤمنين والقرب إلى الله تعالى ، ومَنْ يعجز من الأصدقاء أو يجبن أو يُصيبه الملل أو يبحث عن الراحة في اتخاذ خطوات ووسائل شرعية يتحرك فيها للضغط على الأعداء من أجل تحقيق العدالة واسترجاع الحقوق فينبغي عليه شرعاً وعقلاً وعرفاً أن لا يتراجع إلى الوراء لدرجة الخيانة والعمل على تقوية الأعداء وطمأنتهم وأن لا يوصل أصحابه إلى الضعف وتأخيرهم عن أداء واجباتهم وإعاقة مسيرتهم لاستعادة حقوقهم ، ومن يفعل ذلك فإنَّه يدخل في دائرة النفاق والخيانة ، بل أنَّه يعمل واقعاً شاءَ أم أبى على تفكيك وحدة جماعة المظلومين والمستضعفين وضرب تماسكهم واستقلالهم وأهدافهم ، ولذا مَنْ لا يستطيع جلب الخير لأصحابه فلا أقل أنَّه يجب عليه أن لا يجلب لهم الشر والوهن والاستسلام والتطبيع المهين ، وينبغي للتوضيح أكثر في وصف الحال للعالَم أجمع هو أنَّ ما قام به اليهود في فلسطين من احتلالها وسرقتها وحرقها مع شعبها في حروب دموية شاملة وإشاعة الإرهاب والفساد في البر والبحر وتهجير أهلها والإساءة إلى المقدسات وما إلى ذلك مما هو معروف عند الجميع ومما لا تحده كتابة مجلدات كثيرة عنهم فيما ارتكبوه من فضائح وجرائم ومحارق وإبادة بحق الإنسانية ، فهل يجوز إقامة علاقة معهم في أقل مراتبها من المجاملة وعقد الاتفاقيات السياسية والصفقات التجارية والتطبيع الاجتماعي وما إلى ذلك؟ ، فحتماً لا يجوز موالاة هؤلاء وأمثالهم واحترامهم والركون إليهم ولو في أقل المراتب لأنَّ هؤلاء أعداء لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين ولا يقول خلاف ذلك إلا مَن كان منهم وجزء من واقعهم بأيِّ نحوٍ من الأنحاء ، وقد قال تعالى(1) : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ].
وقوله تعالى(2) : [لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ *إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ].
ولذا يجب الفرز والتمييز بين الناس على أساس الحق والعدل والصداقة الصدوقة وترتيب الآثار والمواقف الشرعية على ذلك ، كما ينبغي الابتعاد عمّا يوقع الإنسان في الوهم والضلالة باختيار صداقات متوهمة تلبس لبوس الصداقة كما كان يفعل البعثيون الصداميون في عهد الطاغية المقبور وكذا بعد سقوطه وهكذا حال النفعيين الانتهازيين اليوم ، فيكون جميع هؤلاء من البعثيين القدامى والبعثيين الجُدد الذين لا يحفظون خيراً ولا عهداً ولا ذمَّة للناس فيعملون بالكذب والنفاق والغدر والخيانة والسرقة وهتك الأعراض والإساءة إلى الرموز والمقدسات وسفك الدماء و تضييع الحقوق ... ، وهذا يفرض على الإنسان أن يختار صداقاته وعلاقاته عن وعي ووفق ضوابط إيمانية ويحفظها ليحفظه الله تعالى من الشرور كما عن الصادق (B): (1)[إن الله جَلَّ ذكره لَيَحفَظ مَنْ يَحفظ صديقه] .
و قال النبي (6)للحسن بن علي (B)(2):[اعمل بفرائض الله تكن من أتقى الناس، وارض بما قسم الله تكن أغنى الناس، وكف عن محارم الله تكن أورع الناس، وأحسن مجاورة من جاورك تكن مؤمنا، وأحسن مصاحبة من صاحبك تكن مسلما].
وقال الإمام الصادق(B):(3) [أوصيكم بتقوى الله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الصحابة لمن صاحبكم، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، صلوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واتبعوا جنائزهم] .
وكان فيما أوصى به رسول الله (2) عليا (B):(4) [.... يا علي من لم تنتفع بدينه ودنياه فلا خير لك في مجالسته، ومن لم يوجب لك فلا توجب له ولا كرامة].
وروي عن النبي (2) أنه قال(5): [إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له وزيرا صالحا إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه].
إذن حفظ الصديق وحسن مصاحبته إنما يحصل بمودته وحبِّه ورعاية مشاعره وإعانته ودفع المكاره عنه وجلب المنافع له والنصيحة الصادقة له والوفاء له ، وهذا الالتزام في حفظ الصديق هو بذرة قابلة للنمو والتكاثر والانتشار لتصبح ثقافة سائدة في المجتمعات فتقوى بها الأمَّة والجماعات وتنال حقوقها وتسترد عافيتها وتزدهر في ثقافتها وواقعها بمختلف المجالات وتؤسس لمجتمع فاضل وقوي وعزيز ، ويكون هذا من جملة ما يؤدي إلى ضعف الأعداء واندحارهم إلى ما يستحقون ، ثمَّ إنَّ من يحفظ صديقه فإنَّ الله تعالى يحفظه من السوء والمكاره و..، كما أنَّ أداء وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمراتبها لا تمنع رزقاً ولا تُقدّم أجلاً ولا تُفقد عزّا وكرامة لأنها أمور بيد الله تعالى القوي العزيز الرازق المُحيي والمميت وهذا هو المعتقد السليم للمؤمنين الرساليين الصادقين وفيه قوله تعالى :(1)[وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ] ، حيث يُروِّج المنافقون والخائنون والنفعيون على أنَّهم أعزاء بخلاف ما عليه المؤمنون ولكنَّهم يكذبون وينكشف زيفهم من خلال واقعهم السيئ المنحرف ونفور شرفاء الناس عنهم وارتكابهم المعاصي ووقوعهم تحت الغضب الإلهي وقد قال تعالى :(2)[وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ] ، ومن وصايا
الإمام الصادق (B) لسفيان الثوري قوله (3):[من أراد عزا بلا عشيرة وغنى بلا مال وهيبة بلا سلطان فلينقل من ذل معصية الله إلى عز طاعته] ، وهنا يخسر المنافقون والخائنون والمرتزقة الذين يتعاملون في علاقاتهم وفق حسابات دنيوية مادية ويحملون شعاراً وهو(المصلحة فوق كلِّ اعتبار) ، ويكون نتيجة المقام أنَّ قطع العلاقة مع دولة أو جماعة أو فردٍ لأسباب و دواعي حقيقية إيمانية لا يُقلل الأصدقاء بل يحفظهم من السوء والتفرق ويجعلهم في حصنٍ يمنع عنهم الوقوع في الضلالة والفساد والتفرق والانهيار، حيث قال تعالى:(1)[مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ].
" المصدر : كتاب سلوك الطريق لمعرفة الصديق "
لسماحة آية الله الفقيه السيد ابو الحسن حميد المقدس الغريفي -دام ظله-
لسماحة آية الله الفقيه السيد ابو الحسن حميد المقدس الغريفي -دام ظله-
اضف تعليقك هنا .. شاركنا برأيك .. اي استفسار او اضافة للموضوع ضعه هنا
اذا احببت اختر التعليق باسم : ( الاسم / عنوان url ) اكتب الاسم فقط واترك الخيار الثاني فارغ
ثم اضغط على استمرار واكتب تعليقتك