ومن خلال ما ذكرنا يتبين
أنَّه لا يوجد إنسان أو تصرفٌ وعمل يوصف بأنَّ له استقلالية محضة حتى في جهة
المباحات من دون مراعاة لجهة معينة من حيث يُريد أو لا يُريد لوقوع الأفعال تحت
دائرة أحكام التكليف الإلهي فما وافق منها التشريع في النوايا والسلوك والأهداف فهو
في جهة رحمانية وما خالف التشريع في هذه الأمور فهو في جهة شيطانية ، وحينئذٍ لا يخلو حال الإنسان إمّا أن يكون
منتمياً إلى
حزب الله تعالى في متبنياته وأفعاله وإمَّا إلى حزب الشيطان ثُمَّ ينتقل من هذا
العنوان العام إلى عناوين ضيِّقة أخرى كالوطن والطائفة والمذهب والمدرسة والمنظمة
والمؤسسة والجمعية والعشيرة والأسرة والصداقة ، ولابد حينئذٍ بمقتضى القوانين
الوضعية والعرفية مراعاة التزاماته التي ألزم نفسه بها في كل من هذه الانتماءات
وبطبيعة الحال فإنَّه يعقد ولائه لجهة انتمائه بينما الشرع الشريف والعقل السليم
يُحدِّد ضوابطاً لالتزامات الناس والحكومات والدول والتي ينبغي أن يكون ما التزموا
به مشروعاً سواء كانت عهوداً أو عقوداً أو قوانيناً أو مواثيقاً أو أيمَاناً
باعتبار أنَّ له فيها حقوقاً وعليه واجبات
يجب الالتزام بها والحفاظ عليها وهي بمجملها تدخل في إطارها النظري كالفكر
والمعتقد والقوانين والنصيحة والمشورة أو العملي كالممارسة الخارجية التطبيقية لما
يؤمن به تبعاً لانتمائه وولائه وعهوده وقوانينه ويكون نتيجة ذلك هو صيرورته
منتمياً إلى حزب الله تعالى إذا التزم
وراعى المطلوب وفق نظام الشريعة وإلا فيكون انتمائه إلى حزب الشيطان .
وأمَّا مَن يَدَّعي أنَّه
مستقلٌ استقلالاً تامّا في آرائه وتصرفاته وخارج عن جميع هذه الانتماءات بحيث يؤسس
لنفسه نظاماً خاصاً به ويُريد أن يجمع المتناقضات ويستوعب الجميع على صفاتهم
وسلوكياتهم رعاية لمنهجه ومصالحه الخاصة فيكون من حيث يشعر أو لا يشعر يعيش
الانتماء إلى حزب الشيطان بحسب الواقع والوجدان لكونه يتحلل من التزاماته الشرعية
والأخلاقية التي يُفترض به إتباعها وفق الانتماء الشرعي الصحيح الذي يُراعي فيه حق
الله تعالى وحقوق أصدقائه وإخوانه وجيرانه والمستضعفين بمختلف الطوائف والمذاهب
والقوميات ، بينما هو يعيش أوضاعاً وأحوالاً متناقضة وازدواجية في المعايير تبعاً
لرؤيته القاصرة ومصالحه الشخصية الآنية وانفعالاته الوقتية فيقع في حبائل الشيطان
ويخرج عن النظام إلى الفوضى ومن الطاعة إلى التمرد والعصيان ومن الحَسَن إلى
القبيح ولا يصل في عمله إلى هدفه ومبتغاه من استيعاب جميع الناس أو الدول لأنَّه
يجهل أنَّ رضا الناس غاية لا تُدرك وإلاّ كان الأولى أن يحصل الرضا من جميع الناس
على الله تعالى أو على أنبياءه أو على الأوصياء والعلماء الرساليين ولكنه لم يحصل
فتأمل أيها الإنسان واستقم ،ولذا صنَّف الله تعالى الناس في الصداقة إلى صنفين
منها ما كانت بين المؤمنين حيث يكون بعضهم أولياء بعض كما في قوله تعالى:(1)[وَالْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ
اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ]، ومنها ما تكون الصداقة بين الكافرين والمنافقين
والفاسقين حيث يكون بعضهم أولياء بعض كما في قوله تعالى : (2)[وَالَّذِينَ كَفَرُوا
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ]، وقد ذكرنا الآيات سابقاً فراجع.
و من خلال ذلك نؤكد بأنَّه لا يوجد ولاءٌ ثالث يجتمع فيه المؤمن مع
الكافر والمنافق والفاسق ليكون بعضهم أولياء بعض ؟!!! ، بل ورد المنع عن ذلك وفيه
تأكيد ووعيد في كثير من نصوص الكتاب
والسُنَّة المُطهرة إضافة إلى ما يُدركه العقل السليم من قبح الولاء للكافر
والمنافق والفاسق لأنَّهم من موارد غضب الله تعالى وهم من أهل النار ، ثُمَّ إنَّ
الموالاة للمؤمنين يقتضي البراءة من أعدائهم
، ولذا لا يصح ولا يُقبل موالاة المؤمن والمنافق والكافر والظالم على حَدٍّ
سواء بأن يُحب الجميع ويتودد إليهم ويُناصرهم وهذا التصرف هو عين النفاق والدجل في
العلاقة وخروج عن واقع الدِّين ، وقد ورد في الكتاب والسُنَّة الكثير من النصوص
بشأن ذلك منها :
1.قوله تعالى (3): [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا
تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ
أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا] .
2.قوله تعالى (4): [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا
تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا
وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ
وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ] .
3.قوله تعالى(1):[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا
تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ
عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ]
.
4.قوله تعالى (2): [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا
تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ
بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ].
5.قوله تعالى (3):[ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا
فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ
لَا تُنْصَرُونَ ] .
6.قوله تعالى (4): [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا
تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ] .
وأما ما ورد عن أهل البيت (F) فهو كثير منها :
1.عن أبي عبد الله (B)قال(5): [من أحب كافرا فقد أبغض
الله ومن أبغض كافرا فقد أحب الله، ثم قال (B): صديق عدو الله عدو
الله] .
2.عن أبي محمد العسكري(B) قال(6):
[حب الأبرار للأبرار ثواب للأبرار وحب الفجار للأبرار فضيلة للأبرار، وبغض الفجار
للأبرار زين للأبرار وبغض الأبرار للفجار خزي على الفجار] .
ولذا فإنَّ الفرز والتمييز القرآني يكشف على أن للولاء بين المؤمنين
حقوقا وامتيازات خاصة لا تصل النوبة فيها إلى الكُفّار الأعداء بل ولا ينالها من
هو دون المؤمنين الثقاة في المرتبة ولذا حصل التصنيف والفرز بين الصداقة التي تعني
الارتباط الوثيق بين أخوان الثقة ، وبين
أخوان المكاشرة - الصحابة - الذي يكون الارتباط ضعيفاً يقتصر فيه على المجاملة والمصالح
، وبالتالي فإنَّ للصداقة حدوداً ومراتباً لابد من مراعاتها والعمل على أداءها بما
يُناسبها من وظيفة ولا تكون صداقة بين المؤمن وبين الكافر والمنافق والظالم
والفاسق لأنَّهم عناصر متنافرة ومتناقضة فكراً وسلوكاً ، ولذا فمن يُريد أن يكسب
الأصدقاء فعليه أن يبحث عن القرين المؤمن الصدوق وأن يُبادله الصدق قولاً وعملاً
وأن يُبدي له النصيحة كما له أن يقبلها ويُحسن المعاشرة ويُظهر المحبة والتعاون
ويلتزم الوفاء بالعقود والعهود وسائر الالتزامات وفق حدود الشرع الشريف لتكون
صورته بيضاء ناصعة خالية من الأدران المشوهة لها كالكذب والغش والخيانة والحسد
والبخل واللؤم والحمق والغيبة والنميمة والفتنة والجبن وكشف الأسرار والغرور
والعُجُب بالنفس والطبيعة العدوانية وما إلى ذلك من آفات النفس واللسان لأنَّ
القرين بالمقارن يقتدي ، ومن هنا فقد روي عن أمير المؤمنين (D)(1) : [واحذر صحابة من يفيل رأيه
وينكر عمله فإن الصاحب معتبر بصاحبه] .
وروي أن سليمان (B) قال :(2) [لا
تحكموا على رجل بشيء حتى تنظروا إلى من يصاحب فإنما يعرف الرجل بأشكاله وأقرانه،
وينسب إلى أصحابه وأخدانه].
وأصبحت هذه النتيجة مرتكزة في أذهان الناس حتى ضُربت لها الأمثال كما
في قولهم أنَّ شبيه الشيء منجذب إليه وكذلك وافق شن طبقة وأيضاً
الطيور على أشكالها تقع فإنَّه يتأكد أنَّ الصداقة إنما تكون حقيقية إذا توافقت
الطباع والأفكار والأعمال حيث يحصل الألفة والمودة والمحبة والانسجام والتعاون ،
ولكن هذا لا يمنع من كسب أصدقاء جُدُد من المخالفين ويتم ذلك بطريقة مرحلية
تدريجية بعد أن تحصل دعوته إلى الحق والعدل والإيمان فإن استجاب وآمن واستقر في
نفسه وظهرت على ممارساته فحينئذٍ يُمكن أن يُتخذ صديقاً وإلاّ فإنَّه يبقى أخاً
كاشراً يُقتصر معه على المجاملة وقضاء المصالح فقط .
وما نجده اليوم في مجتمعاتنا من معاناة كثير من الناس من خيانة
الأصدقاء فإنَّه أمر فيه من الخلط والوهم لأنَّه في الواقع لم يَأتمنوا الأصدقاء
بل ائتمنوا الخائن والكاذب والسارق والمجرم والمنافق والظالم وتوهموا أنَّهم
أصدقاء لهم ولاذوا بهم فوقعوا في شراكهم واصطدموا بهم متصورين أنهم أصدقاء ، ولذا
ينبغي التمييز بين الرفقاء من الصديق الصدوق والأخ الكاشر والعدو وما إلى ذلك لكي
لا يقع الإنسان في الضرر المادي والمعنوي .
" المصدر : كتاب سلوك الطريق لمعرفة الصديق "
لسماحة آية الله الفقيه السيد ابو الحسن حميد المقدس الغريفي -دام ظله-
لسماحة آية الله الفقيه السيد ابو الحسن حميد المقدس الغريفي -دام ظله-
اضف تعليقك هنا .. شاركنا برأيك .. اي استفسار او اضافة للموضوع ضعه هنا
اذا احببت اختر التعليق باسم : ( الاسم / عنوان url ) اكتب الاسم فقط واترك الخيار الثاني فارغ
ثم اضغط على استمرار واكتب تعليقتك