موقع انصار الحجة عجل الله فرجه موقع انصار الحجة عجل الله فرجه

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الأصدقاء ثلاثة والأعداء ثلاثة - آية الله الفقيه المقدس الغريفي (دام ظله)

ينبغي أن تتحدّد الصداقة الصحيحة على ضوء الحق والعدل والفضيلة بين عامّة الناس لكي ترتسم معالم الصداقة بوضوح من دون وجود مقاصد مصلحية وأساليب نفاقيه ودعوات شيطانية ، ولا يكون الصاحب صديقاً حتى يلتزم به التزام موالاة ولا تحصل موالاة حقيقية حتى تقترن بإعلان البراءة من الأعداء الظالمين والمحاربين لأنه لا صداقة بين الظالم والمظلوم وذوي المقاصد
المصلحية والانتماءات والولاءات المتناقضة لفقدان العناصر الموضوعية المشتركة التي تجمعهم كالحُب في الله والبغض في الله والعطاء في الله والمنع في الله والموالاة لأولياء الله والبراءة من أعدائهم لتستوعب جميع مفاصل الحياة وفق معادلة حقيقية عادلة يخضع لها المؤمنون المتقون المتناصحون ، وكان من جملة ما بَيَّنه الإمام زين العابدين (B) حينما استعمل كلمة الصاحب في رسالته الحقوقية وأراد منها الصديق لبيان حقَّه من أجل أن يحفظ الناس صداقاتهم فيقول (B) في رسالته (1) : [وأمَّا حقُّ الصاحب فأنْ تصحبَه بالفضلِ ما وجدتَ إليه سبيلا وإلاّ فلا أقل من الإنصاف وأن تكرمه كما يُكرمك وتحفظَه كما يحفظك فإنْ سبقك كافأتَه ولا تقصرْ به عما يستحقُ من المودةِ ، تلزم نفسك نصيحَته وحياطته ومعاضَدته على طاعةِ ربِّه ومعونتهِ على نفسهِ فيما لا يهمّ به من معصية ربِّه ثمّ تكونُ عليه رحمةً و لا تكون عليه عذاباً ولا قوّة إلاَّ بالله ].

والصاحب هنا الوفي المُلتزم الذي يســـتحق المودة والنصـــــيحة والحياطة بالخير والمعاضدة على طاعة الله تعالى وأن تكون له رحمة ، فيُراد من الصاحب هنا هو الصديق الصدوق الذي تلتزم معه بحدود الصداقة ويلتزم معك بها ولذا ينبغي أن تصحبه وفق ما أملاه الإمام زين العابدين (B) وسائر المعصومين (F) كما سيتضح ذلك من خلال وصاياهم في ثنايا الكتاب وبالأخص ما روي في [حدود الصداقة] عن الإمام الصادق (B) كما ذكرنا فراجع .

وهنا لابد أن تُحدّد تصرفات الناس فيما بينهم على ضوء الفرز الشرعي والعقلائي في تشخيص الصديق والأخ الكاشر والعدو ليترتب على هذا التشخيص اتخاذ الموقف الشرعي الذي يُناسب كل واحد منهم ، ولذا كان من الحكمة والتبليغ التشريعي أن يُفَصِّل أهل البيت (F) في روايات متعددة هذه الأصناف في حياتنا الاجتماعية فيفرز بين الصديق والعدو ليتحدَّد الولاء أو النفرة وليتخذ الإنسان منهما موقف الانشراح والانفتاح في الحديث والمعاملة أو الانقباض والحذر ، فقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (B) مقولته الحَكَمية حيث قال(1):[أصدقاؤك ثلاثة ، وأعداؤك ثلاثة، فأصدقاؤك: صديقك، وصديق صديقك، وعدو عدوك، وأعداؤك : عدوك، وعدو صديقك، وصديق عدوك].

وهذه المقولة الحَكَمية تحصر الأصدقاء في ثلاثة والأعداء في ثلاثة ، حيث يكون الأول منهما وهو الصديق والعدو يُمَثِّلان الأصل وبالتالي يتفرع عن الصديق ما يُشكِّل في واقع الأمر تجمعاً صالحاً يشتركون بالإيمان والعمل والعاقبة في الدُنيا والآخرة وهُم فئة خيِّرة يُمكن أن يُطلق عليها بالصداقة الخاصة أو ما يُصطلح على تجمعهم قرآنياً بـ (حزب الله) ، وفي مقابله يكون التجمع الضَّال الفاقد للإيمان أو المتزلزل فيه والمنحرف في عمله فإنَّه يُصطلح عليه قرآنياً بـ (حزب الشيطان) ، وقد علمنا بالدليل القطعي النقلي والعقلي أن محور الارتباط الأول الواقعي هو الله تعالى لأنَّ التجمعات الصالحة تُبنى على الحُب في الله والبُغض في الله والعطاء في الله والمنع في الله والولاء في الله والبراءة في الله وهكذا يصدق على الارتباط بالمعصومين من الأنبياء والأوصياء ، وأنَّ العدو الأول والأكبر للإنسان والمستجمع لكل الخطايا والقبائح والشرور هو الشيطان ومَن سار على منهجه ، ومن خلال هذين المحورين تنشأ الولاءات والانتماءات ويتشكل العدو والصديق للتنافر والتضاد والتناقض في الارتباط والمنهج والهدف .

فتكون العلاقة الصالحة هي التي تعتمد محور اتصالها بالله عزّ وجل الذي جعل للناس وسائل ارتباط به من خلال الأنبياء والأوصياء والأولياء وعن هذا الطريق تتفرع الصداقات وتتكاثر ، وأمَّا العلاقة الفاسدة هي التي تعتمد محور اتصالها بالشيطان الذي صار يُزَيِّن للناس فعل القبائح والموبقات فيكون من يرتكب هذه الأمور تابعاً للشيطان من حيث يعلم أو لا يعلم وينشأ مع هؤلاء علاقات مبنية على التمرد والعصيان ، وبعد معرفة حدود الطريقين (المحورين) يتضح وجود التقاطع والتنافر وبالتالي يحصل الصدام والصراع بين الطرفين على مستوى الأفراد والجماعات والدول ، وقد نهى الله تعالى موالاة الكافرين والمنافقين والظالمين ، وبيَّن أنَّ المؤمنين بعضهم أولياء بعض وأنَّ الكافرين والظالمين بعضهم أولياء بعض ، وصرَّح الله تعالى في آيات كثيرة من كتابه العزيز ما يؤكد هذا المعنى منها .

أولاً : الشيطان عدوٌ للإنسان فرداً وجماعة منها :

قوله تعالى(1) :[وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا].
قوله تعالى(1): [يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ].
قوله تعالى(2) : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ].
قوله تعالى(3): [الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ].

ثانياً: بيان حزب الله وحزب الشيطان :

قوله تعالى(4) : [إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ] .
قوله تعالى(5) : [لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ] .
قوله تعالى(1):[اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ].

ثالثاً: المؤمنون بعضهم أولياء بعض، والكافرون والظالمون بعضهم أولياء بعض.

قوله تعالى(2):[وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْـــــرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَــــنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُـــونَ الصَّــــلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ].
قوله تعالى(3): [وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ].
قوله تعالى(4): [ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ * هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ].
قوله تعالى(5) : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ].

رابعاً : القتال في سبيل الله والقتال في سبيل الطاغوت :

قوله تعالى(1) : [الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا].

وبناءاً على ما ذُكِر ينبغي أن تُبنى العلاقات وفق نظام عادل يحفظ الحقوق سواء كانت مادية أو معنوية، ولا يكون ذلك إلا بالتعرف على حدود الصداقة والعداوة ليكون على دراية من أمره ومسلكه وحقيقة علاقاته، ولذا قال الإمام الحسن بن علي (H)(2):[..وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك، وإنْ قُلْتَ صدَّق قولك وإنْ صلتَ شدَّ صولك وإن مددت يدك بفضل مدها، وإن بدت عنك ثلمة سدها، وإن رأى منك حسنة عدَّها، وإن سألته أعطاك، وإن سكت عنه ابتدأك وإن نزلت إحدى الملمات به سائك] .

ومقولة الإمام الحسن (B) لا تخرج عمَّا بَيَّناه في موضوع سابق وهو حدود الصداقة التي يسعى الأصدقاء فيما بينهم إلى التعاون على البِّر والتقوى ونشر الفضيلة وأن يبتعدوا عن المعصية والإساءة والرذيلة، وأن يكون أحدهما مرآةً للآخر فيرى نفسه فيه كما وتحصل المواساة بينهما ويكون ولاء أحدهم للآخر مدعاة لدفع ورفع أيِّ ظلم وعدوان قد وقع أو يُمكن أن يقع على الآخر سواء كان مادياً أو معنوياً ، فيتخذ الأصدقاء خطوات حركية نحو الأمام لإجراء ما يلزم شرعاً وعقلاً من أجل الدفع أو الرفع واسترجاع الحقوق المسلوبة أو ردّ الاعتبارات المعنوية و... وفرض إرادة الخير على الشر ، وهذا التصرف إنما يُمثل الوضع الطبيعي لحركة المؤمنين الصالحين الصادقين في مسيرتهم الذين يلتزمون المبادئ الحقة والقيم الصحيحة والأخلاق الفاضلة والشريعة الصالحة.

وأمَّا لو كان الأصدقاء قادرين على المعونة والنُصرة بالحق إلا أنَّهم لم يؤدّوا وظيفتهم أو تسامحوا في ذلك تقصيراً منهم طلباً للراحة والمصالح الخاصة فإنَّ هذا مما يقدح في عدالتهم وصداقتهم بل قد يكشف هذا التصرف عن وجود خيانة أو تطبيع مع الأعداء بما يُشكِّل حالة النفاق فيؤدي إلى إضعاف علاقة الأصدقاء أو تفكيكها وتضييع وتذويب الحقوق بما فيها الحقوق المادية والمعنوية ، ولذا لابد أن لا يتسلط المنافقون والخائنون والجبناء والبخلاء والحمقى والسفهاء والطغاة على مراكز القيادة والعلاقات وصنع القرار لأنَّ الناس في الظاهر قد يحسبون لهؤلاء صداقة وتمثيلاً حقيقياً وصادقاً للجماعات والشعوب المظلومة والمستضعفة في جهة عملهم ومصالحهم فيقعوا في الوهم وبالتالي يصبح هؤلاء المنافقون أداة للتضليل والفساد وتضييع الحقوق وزيادة الظلم والاستضعاف لأنَّهم يَغشُّون الناس من حيث يشعرون أو لا يشعرون ولا يُراعوا الحقوق الإنسانية والشرعية لقيامهم بالمراوغات والنفاق وفعل الخيانات ورفع الحواجز مع الخصوم الأعداء والتملق لهم فتوحي تصرفاتهم المشينة بأنَّ أرباب الباطل ودعاة الشر ومُغتصبي الحقوق والمحتلين ممن لا بأس بهم ولا إشكال معهم بل ربما يزرع شبهة بين الجُهّال أنَّ الأعداء المنافقين الدمويين على حق أو أنَّ أرباب الحق قد تركوا حقهم وتنازلوا عنه أو يُظهر لهم أنهم عاجزون وإلى غير ذلك من التصورات الكثيرة ، وهذا الفعل القبيح تتأكد فيه المَعونة على الباطل وإضعاف لجانب الحق الذي لا يصدر هذا العمل وأمثاله إلا عن عاقٍ أو خائن أو جبان أو منافق أو ...و يترتب على مواقفهم الغضب الإلهي وغضب شرفاء الناس في الدنيا والآخرة ، وبالرغم مما يفعله المرتدون فإنَّ الحقوق لا تضيع مهما تقادم عليها الزمان وما دام وراءها مطالب صادق لا يخون نفسه وأصدقائه وشعبه ، وقد قال أمير المؤمنين(B) في نهج البلاغة(1): [الحق جديد وإن طالت عليه الأيام والباطل مخذول وإن نصره أقوام].

وتجد أنَّ غالبية الأفراد والأحزاب والدول ممن يرتكبوا الخيانة والنفاق والردة والعدوان يُدركوا جيداً قبح عملهم وخزي ما نتج عنهم وحرمة تصرفاتهم ولكن تأخذهم العزَّة بالإثم حيث العصبية المقيتة والمصالح الشيطانية والكبرياء الفارغة والغرور عن جهل والعُجُب الكاذب بالنفس أو الكيان أو الدولة ومع ذلك يمتنعوا عن الإقرار بما فعلوه إصراراً منهم على تطبيق مقولة أكذب أكذب حتى يُصدِّقك الناس ، أو لا يروا فيما فعلوا بأساً بل ينظروا إلى مواقفهم وأحكامهم وازدواجية المعايير فيها على أنَّها من المواقف الطبيعية الصحيحة التي ترعى مصالحهم الخاصة ولذا تجدهم يستقبحوا ويُجرِّموا مَنْ يحكُم عليهم من المنظمات الحقوقية الإنسانية والدولية والشرعية والعرفية في نقد ممارساتهم ووصفها بالخطأ والخطيئة أو تقبيحها واستنكارها أو مواجهتها ، بل أنَّهم يُهاجمون بالسوء ويستعظمون قول النُقّاد فيهم ولا يُريدوا أن يُصرِّح الناس لهم بخطأ وجُرم عملهم ، وهذا إنما يحصل لأسباب كثيرة كما ذكرنا منها الاستكبار والنفاق والمصالح الشخصية والعصبية وطبيعتهم العدوانية واعتمادهم المواقف الارتجالية المتهورة والمغامرات الصبيانية التي لا أساس لها في المواقف الإنسانية والعدالة والتي لم تُبنى على علاقات حقيقة عادلة راسخة ، وبالرغم من هذا الطغيان والاستكبار والظلم على صعيد الفرد أو الجماعة أو الحكومة أو الدولة إلا أنَّه وللأسف الشديد تنمو في مجتمعاتنا جماعات ذليلة قد نشأت على النفعية والحسد والنفاق وتمجيد الظالمين إلى درجة استعدادهم للنزول إلى مستوى الدناءة والذلة بل وأكثر من ذلك أنَّهم يستجدون الرضا وإبراء الذِّمة من ظالميهم وقاهريهم فتنعكس وتنقلب المطالب الحقَّة بين الظالم والمظلوم فيجعلوا للظالم الحق في أن يفعل ما يشاء حتى لو سلبهم حريتهم أو سرقهم أو ضربهم ، فبدَلاً من أن يعتذر الظالم للمظلوم ويطلب منه إبراء ذمته واسترضاءه نجد أنَّ الأذلاء والخانعين والمنافقين يعكسوا المطلب من أجل المجاملة الرخيصة والذليلة والبحث في ذلك عن مصالحهم الضيِّقة الناجمة عن طبيعة نفوسهم المريضة بمرض الذل والهوان والنفاق والجُبن و... ولمطابقتها لواقع تربيتهم التي نشئوا عليها منذ نعومة أظفارهم فيَجْنُون على أنفسهم وعلى سائر المظلومين بهذه التصرفات ، فيُشكِّل هؤلاء ظاهرة اجتماعية وسياسية سيئة ومنحرفة تؤثر سلباً على واقع الشعوب ويُصبحوا عِلَّة مَرَضية على المجتمعات السليمة ، وحيثما يكونوا فإنَّه لا يخرج منهم إلا ما اتصفوا به ، ولذا قد قيل :[إنَّ الإناء ينضح بما فيه] أو ما قيل:[لكل امرئ من دهره ما تعودا] أو ما قيل:

إنَّ الماء العذب يبقى عـذباً والماء الـمالح يـبقى مالحاً
وكلّ شيء يبقى على طبيعته إلى يوم النفخ بالصور

وللأسف تجد أنَّ الجماعات النفعية والمنافقة على طول الزمان تملك الاستعداد للنزول إلى مستوى الدناءة والذلة لاستعمال المراوغة والكذب في ادِّعائها الصداقة لتحصيل مكاسبها الضيِّقة ولكنها لا تملك الاستعداد للصعود إلى مستوى الرفعة والكرامة والعدالة والفضيلة وهذا يكشف عن فساد وانحراف هذه الجماعات ومرجع ذلك إلى سوء التربية وخبث السريرة وخفَّة العقل وقلَّة الدِّين أو انعدامه ، ولو كانوا مؤمنين ويملكون رجاحة العقل والشجاعة وحُسن التربية والسريرة لمَا فعلوا ذلك ، ثُمَّ إنَّ المؤمنين لو ارتكبوا خطأً عفوياً في حياتهم فإنَّهم لا يصرّوا عليه بل يتوبوا إلى الله تعالى ويعتذروا عن فعلهم القبيح ويندموا عليه وبالتالي يتعهدوا ألاّ يعودوا إليه وإلى مثله لأنَّهم يؤمنوا بأنَّ الاعتراف بالخطأ فضيلة وتصحيح الخطأ شجاعة ، بينما تجد المنافق والخائن وأمثالهما يصدر عنهم الخطأ والذنب وفعل القبيح عن عمد ولا يُبالون له ولا يهتمون لأجله جرأة منهم على النُظم العادلة فيستحقون لذلك العقوبة المناسبة إلا إذا تابوا إلى الله تعالى التوبة النصوح وتصالحوا مع الذات ثمَّ مع الآخرين بصدق وإخلاص وإن كان الغالب في الخائنين والمنافقين ممن ترسخت فيهم هاتين الصفتين وأشباهها أن لا يتوفقوا إلى التوبة لاستمكان وترسخ تلك الصفات الخبيثة الشيطانية من نفوسهما وبالتالي فبقاءهم على صفاتهم يجعلهم منبوذين واقعاً من الأطراف المؤمنة الصادقة ولا يجتمع معهم ويُداهنهم ويُجاملهم على ما هُم عليه إلا مَنْ هو مثلهم أو أخسّ مرتبة منهم لكونهم يتوافقون معهم في الطباع والسيرة والغايات وكما قيل : الطيور على أشكالها تقع ، حيث أنَّهم لا يملكون التزاماً ولا مصداقية ولا أماناً ولا يلزمهم العهد ولا اليمين و...وبالنتيجة فكُل هؤلاء الأفراد والجماعات والدول إذا ما انفضحت أساليبهم النفاقية والخيانية فإنَّهم يسقطوا عن الاعتبار اجتماعياً وسياسياً و... في الدنيا وتثور وتنتفض الجماهير المؤمنة والمظلومة على هذا الواقع السيئ كما وتنالهم العقوبة الأخروية.

ومن هنا لابد لمجتمعاتنا الإسلامية على مستوى الدُعَاة والجماهير من الشعور بالمسؤولية والقيام بالعمل الجماعي الواعي لرصد ومعالجة المواقف السيئة والعناصر الفاسدة بروح رسالية صادقة وهادفة مع اتخاذ الحذر وغلق الأبواب أمام ظاهرة تعدد وتكثر هؤلاء الأذلاء والخونة والمرتزقة وتنامي قدراتهم في جهة الشَر والظلم لأنَّه بهم وبأمثالهم من ضعاف العقول والنفوس والسفهاء والطغاة تنشأ المجتمعات الضالّة والشعوب الفاسدة والدول والحكومات المستبدة الطاغية وتشيع بينهم القيم والأعراف والعادات الفاسدة والظالمة ، ولذا تجد الخائن أو المنافق أو الذليل في أي مستوى كان سواء على صعيد الفرد أو الجماعة والحزب أو الحكومة والدولة يتذرعوا بالأكاذيب لكل عمل قبيح يعملوه لتضليل الناس وتمرير مفاسدهم وأباطيلهم التي تتقاطع واقعاً مع المبادئ الحقَّة والقيم الأصيلة والشريعة الإلهية وبالتالي فإنَّ مراوغاتهم لا تنتهي ولا تقف عند حَدٍّ بل تُستعمل مع الجميع لأنَّ طبيعة الأشرار لا يصدقون مع أحدٍ ولا يُراعوا حق أحد وكان من جملة ما وصفهم الله تعالى به في قوله (1) : [وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ] .

وتلحظ هؤلاء السفهاء والعناصر الفاسدة في مسيرتهم وخطوات عملهم لا يستشيروا أحداً من العقلاء والمتشرعين علماً أنَّ المشورة تدل على رجاحة العقل وقد أكد عليها القرآن الكريم والسُنَّة النبوية وحكماء العالم ومَن لا يُشاور العقلاء لا يُشاركهم في عقولهم وخصوصاً في موارد الشبهات والمواقف الحرجة والأعمال المجهولة فإنَّ هذا يكشف عن كونهم مستبدين جهلاء لا يهتموا لجانب العقل ولا يراعوا جانب الحقوق الإنسانية ولا يلتفتوا إلى أحكام الشريعة بل أنَّهم يعيشوا حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية و... بالمكر والخديعة والحيلة والهوى والذُلِّ والمهانة وأنَّ الغاية عندهم تُبَرِّر الوسيلة حيث يلتزمون بمصالحهم وأهدافهم الآنية الخاصة فقط و عصبياتهم الجاهلية ولا يُبالون ولا يهتموا لحقوق الآخرين ومشاعرهم بل يستهينوا ويستخفوا بها وهذا للأسف الشديد يُستعمل كثيراً ضدَّ الأفراد والجماعات والشعوب من قبل أفراد وطوائف وأحزاب وحكومات ودول مستبدة طاغية ، فيتصور هذا المستبد الأحمق وهو يُراهن في مغامراته الصبيانية على غروره وحمقه وتهوره و عصبيته أنَّه عالِم بالأمور ومسيطر عليها ويتمتع بمزايا لا يملكها غيره وبالتالي يكون هو المذهب الحق والحزب الأوحد والفكر والمنهج الصحيح دون غيره ولذا لابد أن يكون هو الحاكم وأنَّه يُمثِّل القائد الضرورة بدل غيره كما فعل المقبور صدّام وأشباهه ، وهكذا يلتف حوله الجهلاء والأذلاء والمنافقون والنفعيون والجبناء بينما تنشأ في قباله الجماعة المقاومة للظلم والطُغيان وحينئذٍ يحدث الصراع والنزاع والقتال ، وإذا ما تغلب الظالم على خصمه بالغَلَبَة والترهيب والترغيب والحيلة ويتسلط على الناس من دون أن يكون له أهلية وشرف وفضل بل هو جاهل ويجهل أنَّه جاهل وهذا من الجهل المركب الذي يكون خطره أعظم على المجتمعات والشعوب وخصوصاً في مواقع القيادة والعلاقات والوجاهة مما قد يعمّ ويشيع الفساد وتُسفك الدماء وتُسلب الأموال وتُنتهك الأعراض وتضيع الحقوق في العالم بسببهم وهذا ما يحصل في عالمنا اليوم في الشرق والغرب من تسلط الجُهّال والسُفهاء والحمقى والطامعين والطُغاة على مقدرات الشعوب وعلى رأسهم الشيطان الأكبر أمريكا وعملائهم والمتأثرين بثقافتهم المُزيَّفة والمستفيدين منها في مصالحهم الخاصة الذين يُصورون للناس حال سياساتهم وتصرفاتهم ومواقفهم على أنَّها نابعة عن حريتهم واستقلالهم والتي ترعى مصالحهم المشروعة وخصوصياتهم وقناعاتهم بينما نجد أنَّ هؤلاء لا يؤمنون بالصداقة والحقوق بمعناها الأخلاقي والشرعي لأنها بحسب ما يعتقدون تُعَبِّر عن المُثل التي ليس لها واقع إلا في مخيلة المُغفلين والضُعفاء ، ولذا صار الطغاة يؤمنون بالمصالح ويُفسِّرونها بالصداقة مع أنَّها وقتية ومرحلية وتزول بزوال المصلحة بدليل تقلباتهم المستمرة وقولهم : ليس لنا صديق دائم ولا عدو دائم فحيثما توجد المصلحة فإنَّه توجد الصداقة ، فيتلاعبون بالمفاهيم والقيم والأخلاق فتضيع الحقوق عندهم ويصدر عنهم الغدر والسرقة والوجه القبيح وتقترب منهم بل تلتصق بهم بطانة وحاشية منافقة و مرتزقة نفعية وانتهازية ومجردة عن المبادئ والقيم الصحيحة لتبتلع حقوق الآخرين وتسلبهم الإرادة وتمتص دمائهم ويُفسِّرون تصرفاتهم على أنَّها حداثية وحضارية ومصالح وطنية ودفاع عن الديمقراطية وحريات الأفراد والشعوب ... !!!، وتبقى الجماهير المُستضعفة في عموم العالم تعيش الآلام والقهر والاضطهاد في سماعها الكذب والوعود الزائفة ورؤيتها للعمالة والخيانة والسرقة وضياع الحقوق وانعدام الخدمات وكثرة البطالة وتفشي المرض ونزول الناس في مستوياتهم المعيشية دون خط الفقر وتصاعد الضرائب المُجحفة وانتشار الفساد الإداري والمالي والسياسي والأمني والصحي والخدمي بينما الإعلام الموجه والمُسَيَّس لهذه الجماعات يُراوغ ويستعمل المفاهيم المغلوطة والمُزيفة في تعاملاتهم كالصداقة والحرية والديمقراطية والعدالة والمصالحة والسيادة والاستقلال والتحالف والشفافية واجتثاث المُفسدين والقانون واستقلال القضاء والانتخاب وتوزيع الأموال وما إلى ذلك التي تخضع جميعها عندهم لمعايير وموازين مزدوجة ومطاطة يتجاذبها السياسيون في مساوماتهم وشراء الذمم يميناً وشمالاً وكذا باستعمالهم التهديد والوعيد والقوة المُفرطة لتحصيل مكاسب ومصالح ضيِّقة .

 المصدر : كتاب سلوك الطريق لمعرفة الصديق
لسماحة آية الله الفقيه السيد ابو الحسن حميد المقدس الغريفي -دام ظله-
 

Author

إدارة الموقع

Comments

اضف تعليقك هنا .. شاركنا برأيك .. اي استفسار او اضافة للموضوع ضعه هنا
اذا احببت اختر التعليق باسم : ( الاسم / عنوان url ) اكتب الاسم فقط واترك الخيار الثاني فارغ
ثم اضغط على استمرار واكتب تعليقتك


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...