عندي سؤال: كيف تمّ حذف (حيّ على خير العمل) من الأذان؟ وكيف تمّ فرض الأذان؟
بالنسبة إلى سؤالكم عن لفظة (حيّ على خير العمل) وكيف تمّ حذفها من الأذان، نقول:إنّه
بحسب التحقيق: ثبت من طرق عدّة أنّ من أمر بحذفها هو: عمر بن الخطّاب، بعد
أن كانت هذه اللفظة ثابتة على عهد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)،
وأيام أبي بكر، وشطراً من خلافة عمر(1).وقد عمل بها جملة من الصحابة والتابعين، منهم: الإمام أمير المومنين عليّ(عليه السلام)(2)، وعبد الله بن عمر بن الخطّاب(3)، وأبو محذورة(4)، وزيد بن أرقم(5)، وزين العابدين(عليه السلام)(6)، وأبو أُمامة بن سهل بن حنيف(7)، وغيرهم.
فقد ذكر غير واحد من المحقّقين، منهم: سعد الدين التفتازاني في (حاشية شرح العضدين)، والقوشجي في أواخر مبحث الإمامة في كتاب (شرح التجريد): ((أنّ عمر بن الخطّاب قال وهو على المنبر: ((ثلاث كنَّ على عهد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأنا أنهى عنهنّ وأحرمهنّ وأعاقب عليهنّ...))، وذكر منهنّ: (حيّ على خير العمل)))!!(8) جاء في روايات أُخَر بأنّ تنحية لفظة (حيّ على خير العمل) من الأذان بأمر عمر، جاء لكي لا تثبّط هذه اللفظة المسلمين عن الجهاد إذا ظلّ المنادي ينادي بأنّها: خير الأعمال!
وما ذكر ليس بكافٍ لتنحية لفظة من ألفاظ الأذان, لا سيّما وأنّ المسلمين لم يتثبَّطوا عن الجهاد حينما كان يؤذّن بها أيام النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل صحّ عن الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: (خير أعمالكم الصلاة)(9), ومع هذا فقد ظلّ جملة من الصحابة يؤذّنون بها, حتى أنّه روي عن عبد الله بن عمر الخطّاب أنّه كان يؤذّن بــ(حيّ على خير العمل), فيقال له: إنّ عمر قد أزالها من الأذان! فيقول لهم: رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحقّ أن يُتّبع(10).
ولكنّ تنحيتها بأمر عمر وإخلاء الأذان الرسمي للدولة منها جعلها تختفي شيئاً فشيئاً, وبذلك توارثت الأجيال الأذان الخالي منها, وجاء عصر تدوين الحديث فتحيّر كبار المحدّثين في مسألة الأذان, فما يسمعونه من الأذان الموروث المبتور منه (حيّ على خير العمل) شيء، وما يُروى من طريق الثقات المعوّل عليهم في النقل شيء آخر(11).
لكن الغريب في الأمر أنّ كثيراً من روايات أهل السُنّة في مسألة مشروعية الأذان محلّ نظر وتأمل! فأكثرها قد استند إلى أحلام ورؤى بعض الصحابة لنصوص الأذان في المنام، مع اختلاف شديد في ألفاظ الروايات! منها:
أوّلاً: اهتمّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) للصلاة كيف يجمع الناس لها؟ فقيل له: انصب راية، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً. فلم يعجبه ذلك، فذكروا له القنع - يعني الشبور، وقال زياد: شبور اليهود - فلم يعجبه ذلك، وقال: (هو من أمر اليهود), قال: فذكر له الناقوس، فقال: (هو من أمر النصارى).
فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربّه وهو مهتمٌ لهمّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأريَ الأذان في منامه؛ قال: فغدا على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخبره، فقال له: يا رسول الله! انّي لبين نائم ويقظان، إذ أتاني آتٍ فأراني الأذان. قال وكان عمر بن الخطّاب قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوماً، قال: ثمّ أخبر به النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: (ما منعك أن تخبرني؟) قال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت. فقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (يا بلال! قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد، فافعله)، قال: فأذّن بلال...(12) الحديث.
ثانياً: في رواية أُخرى تقول: إنّ جبرئيل أذّن في السماء الدنيا، فسمعه عمر وبلال, فسبق عمر بلالاً فأخبر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ جاء بلال، فقال له: سبقك بها عمر(13).
ثالثاً: رواية تقول: إنّ سبعة من الأنصار رأوه، وقيل: أربعة عشر(14)، ورواية تقول: وكان بلال إذا أذّن قال: أشهد أنّ لا إله إلاّ الله، حيّ على الصلاة. فقال له عمر على إثرها: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، فقال له النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (يا بلال! قل كما قال عمر)(15).
ومثل هذه الروايات لا شكّ في أنّها مردودة؛ لأنّ أحلام غير الأنبياء(صلوات الله عليهم) لا يترتّب عليها أثر شرعي.
وإنّ أجاب عن ذلك بعض أهل السُنّة: باحتمال أن تكون رؤيا عبد الله بن زيد مقارنة للوحي(16)، أو تنويهاً بشأن الأذان ورفعاً لذكره(17)! فإنّما هي إجابات لا تسمن ولا تغني من جوع، لو أنصفوا؛ لأنّه لو صحّ مثل هذا التأويل لوجب أن يكون تشريع الصلاة والأدعية وإيجاب الشهادتين وغير ذلك على لسان غيره تنويها لهذه الأُمور وتفخيماً لها، على أنّ أهل البيت(عليهم السلام) قد ذمّوا مثل هذه الروايات وكذّبوها، وقالوا: (إنّ دين الله أعزّ من أنّ يُرى في النوم)(18).
وللفائدة أكثر راجع (الصحيح من السيرة) للسيّد جعفر مرتضى العاملي ج4، وكتاب (حيّ على خير العمل) لمحمّد سالم عزان، وكتاب (الأذان بين الأصالة والتحريف (7)) للسيّد الشهرستاني.
ودمتم في رعاية الله
(1) دعائم الإسلام 1: 142 كتاب الصلاة، ذكر الأذان والإقامة، الإيضاح: 201، علل الشرائع 2: 368 نوادر علل الشرائع.
فقد ذكر غير واحد من المحقّقين، منهم: سعد الدين التفتازاني في (حاشية شرح العضدين)، والقوشجي في أواخر مبحث الإمامة في كتاب (شرح التجريد): ((أنّ عمر بن الخطّاب قال وهو على المنبر: ((ثلاث كنَّ على عهد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأنا أنهى عنهنّ وأحرمهنّ وأعاقب عليهنّ...))، وذكر منهنّ: (حيّ على خير العمل)))!!(8) جاء في روايات أُخَر بأنّ تنحية لفظة (حيّ على خير العمل) من الأذان بأمر عمر، جاء لكي لا تثبّط هذه اللفظة المسلمين عن الجهاد إذا ظلّ المنادي ينادي بأنّها: خير الأعمال!
وما ذكر ليس بكافٍ لتنحية لفظة من ألفاظ الأذان, لا سيّما وأنّ المسلمين لم يتثبَّطوا عن الجهاد حينما كان يؤذّن بها أيام النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل صحّ عن الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: (خير أعمالكم الصلاة)(9), ومع هذا فقد ظلّ جملة من الصحابة يؤذّنون بها, حتى أنّه روي عن عبد الله بن عمر الخطّاب أنّه كان يؤذّن بــ(حيّ على خير العمل), فيقال له: إنّ عمر قد أزالها من الأذان! فيقول لهم: رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحقّ أن يُتّبع(10).
ولكنّ تنحيتها بأمر عمر وإخلاء الأذان الرسمي للدولة منها جعلها تختفي شيئاً فشيئاً, وبذلك توارثت الأجيال الأذان الخالي منها, وجاء عصر تدوين الحديث فتحيّر كبار المحدّثين في مسألة الأذان, فما يسمعونه من الأذان الموروث المبتور منه (حيّ على خير العمل) شيء، وما يُروى من طريق الثقات المعوّل عليهم في النقل شيء آخر(11).
لكن الغريب في الأمر أنّ كثيراً من روايات أهل السُنّة في مسألة مشروعية الأذان محلّ نظر وتأمل! فأكثرها قد استند إلى أحلام ورؤى بعض الصحابة لنصوص الأذان في المنام، مع اختلاف شديد في ألفاظ الروايات! منها:
أوّلاً: اهتمّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) للصلاة كيف يجمع الناس لها؟ فقيل له: انصب راية، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً. فلم يعجبه ذلك، فذكروا له القنع - يعني الشبور، وقال زياد: شبور اليهود - فلم يعجبه ذلك، وقال: (هو من أمر اليهود), قال: فذكر له الناقوس، فقال: (هو من أمر النصارى).
فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربّه وهو مهتمٌ لهمّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأريَ الأذان في منامه؛ قال: فغدا على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخبره، فقال له: يا رسول الله! انّي لبين نائم ويقظان، إذ أتاني آتٍ فأراني الأذان. قال وكان عمر بن الخطّاب قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوماً، قال: ثمّ أخبر به النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: (ما منعك أن تخبرني؟) قال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت. فقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (يا بلال! قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد، فافعله)، قال: فأذّن بلال...(12) الحديث.
ثانياً: في رواية أُخرى تقول: إنّ جبرئيل أذّن في السماء الدنيا، فسمعه عمر وبلال, فسبق عمر بلالاً فأخبر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ جاء بلال، فقال له: سبقك بها عمر(13).
ثالثاً: رواية تقول: إنّ سبعة من الأنصار رأوه، وقيل: أربعة عشر(14)، ورواية تقول: وكان بلال إذا أذّن قال: أشهد أنّ لا إله إلاّ الله، حيّ على الصلاة. فقال له عمر على إثرها: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، فقال له النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (يا بلال! قل كما قال عمر)(15).
ومثل هذه الروايات لا شكّ في أنّها مردودة؛ لأنّ أحلام غير الأنبياء(صلوات الله عليهم) لا يترتّب عليها أثر شرعي.
وإنّ أجاب عن ذلك بعض أهل السُنّة: باحتمال أن تكون رؤيا عبد الله بن زيد مقارنة للوحي(16)، أو تنويهاً بشأن الأذان ورفعاً لذكره(17)! فإنّما هي إجابات لا تسمن ولا تغني من جوع، لو أنصفوا؛ لأنّه لو صحّ مثل هذا التأويل لوجب أن يكون تشريع الصلاة والأدعية وإيجاب الشهادتين وغير ذلك على لسان غيره تنويها لهذه الأُمور وتفخيماً لها، على أنّ أهل البيت(عليهم السلام) قد ذمّوا مثل هذه الروايات وكذّبوها، وقالوا: (إنّ دين الله أعزّ من أنّ يُرى في النوم)(18).
وللفائدة أكثر راجع (الصحيح من السيرة) للسيّد جعفر مرتضى العاملي ج4، وكتاب (حيّ على خير العمل) لمحمّد سالم عزان، وكتاب (الأذان بين الأصالة والتحريف (7)) للسيّد الشهرستاني.
ودمتم في رعاية الله
اضف تعليقك هنا .. شاركنا برأيك .. اي استفسار او اضافة للموضوع ضعه هنا
اذا احببت اختر التعليق باسم : ( الاسم / عنوان url ) اكتب الاسم فقط واترك الخيار الثاني فارغ
ثم اضغط على استمرار واكتب تعليقتك