السيرة الذاتية لسماحة آية الله العظمى الشيخ بشير النجفي


من المسلمات الثابتة في علْم الاجتماع أنَ الأسرة هي المقيل البنائي الأوّل الذي يتفيأ ظلاله المولود وفي كَنفَهِا ترتسم الملامح العامة لـمعالم شخصيته، وتأسيساً على ذلك نقول أنَّ إلقاء نظرة على البيت الذي نشأ فيه سماحة الشيخ النجفي دام ظله مّما لا تستغني عنه هذه الدراسة الموجزة، وتمهيداً لذلك نبدأ بذكْر نسبه الشريف فنقول:

هو الشيخ المجدد والمجتهد الكبير الفقيه الأصولي المحقق، شيخ الإسلام الشيخ الحافظ [الحافظ: قد اصطلح أن يقال لمن جمع القرآن وأحرزه في قلبه وتمكن من قراءته كله عن ظهر الغيب.] بشير حسين بن صادق علي بن محمد إبراهيم بن عبد الله اللاهوري.

واسمه الشريف (بشير حسين) من مرَكبات الأسماء ولكن شاع مختصراً باسم (الشيخ بشير).

وأسرته الكريمة من أَعيان الأسر، وفُضْليَات العوائل ولها مكانة علمية واجتماعية رفيعة ومتميزة في بلادها ـ لاهورـ ومن أبرز شخصياتها:

جدّهُ الشيخ محمد إبراهيم، كان رحمه الله تعالى شخصية علمية اجتماعية سياسية كما كان زعيم عشيرته ومرجعهم في الحلِ والعَقْد، وممـّا نقلهُ الثِقاة أنهُ كان للشيخ المذكور ديوانٌ عامر ومجلس كبير تؤمه الناس على تعدد طبقاتهم وتبايُن نحلِهِم ومللهم وكانت تجري فيه المناظرات والمناقشات العلمية الرائقة بين جدّ سماحة المرجع (دام ظله) وبين رؤساء المذاهب الإسلامية، وبينه وبين الهندوس، وكان يسكن في مدينة (جالندهر) وهي إحدى المدن الكبرى في الهند.

وكان الشيخ محمد إبراهيم رحمه الله تعالى آية في الذّكاء الخارق والفطنة الوقادة واستحضار الأجوبة مستوعباً للمسائل العقلية والآراء الكلامية والمباحث العقائدية لا تندّ عن ذهنه شاردة ولا واردة لذا أخذ على عاتقه القيام بنشر مبادئ الدين الحنيف وإرساء قواعد التشيّع مضافاً إلى كونه زعيماً اجتماعياً مطاعاً. وقد هاجر (بعد انفصال باكستان عن الهند) نتيجة التقسيم إلى باكستان وسكن في منطقة (باتابور) من ملحقات لاهور إلى أن وافاه الأجل في أوائل عام 1962م ودفن في مقبرة الأسرة هناك.
والده الفاضل الجليل الشيخ صادق علي

كان على نهج أبيه (رحمه الله) ـ ومنْ يُشابِهْ أبَه فما ظَلَمْ ـ شخصية اجتماعية بارزة وله ديوان عامر يرتاده القاصي والداني من طبقات المجتمع فتجري فيه المناظرات الحاسمة مع أبناء الفرق الإسلامية الأُخريات، وكان رضوان الله عليه هو القائم عليها والمدير لها.

وبعد عمر حافل بالعمل الصالح وخدمة الدين الحنيف انتقل إلى رحمة الله تعالى وذلك في عام 1984م ودُفن إلى جنب أبيه في مقبرتهم الخاصة.

نشأته :
ولد (دام ظله) عام 1942م في مدينة (جالندهر) من بلاد الهند ونشأ في ذلك الجو العابق بالإيمان والتقى ومحبة أهل البيت الطاهرين (عليهم السلام) وترعرع في جنبات الفضيلة والمثُلِ العُلْيا وكان كُلٌ من أبيه وأمه حادبين على تربيته التربية الإسلامية الصحيحة موجهين له الوجهة السليمة متوسمين فيه بلوغ الدرجات الراقية في سُلّم العلْم والمعارف الإلهية فكان ـ فيما بعدـ عند حسن ظنهما وزيادة، وما أنْ شب عن الطوْق حتى شرع في انتهال مبادئ العلوم واكتساب مُقدِمات الفضل.

هجرته إلى النجف الاشرف :
هاجر شيخنا (دام ظله) إلى حاضرة العلم الكبرى معقل الدراسات الإسلامية الراقية النجف الأقدس سنة 1965م تقريباً للانتهال من ينابيع العلم الإلهي والتشرّف بمجاورة إمام المتقين باب علْم مدينة رسول الله صلوات الله وسلامه عليهما وعلى آلهما الطاهرين، وما أنْ قرتْ عينه بالنزول في تلك الأرض الطاهرة حتى بادر إلى الدراسة على مشايخ العلم المعروفين يؤمئذ ومنهم:

الشيخ محمد كاظم التبريزي (طاب ثراه) وقد درس عنده الكفاية وقسماً من البحث الخارج في مدرسة الشربياني، ودرس عند نخبة من الأعلام المدرسين في النجف الاشرف لمرحلة السطوح.

حضر عند سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الجليل الكبير التلميذ المدلل للشيخ محمد حسين الأصفهاني (المرحوم السيد محمد الروحاني (طاب ثراه)) أصولاً وفقهاً أكثر من سبع سنوات، ولما آنس دام ظله من نفسه القدرة على التدريس شرع بتدريس السطوح عام 1968م في المدرسة المهدية الواقعة خلف جامع الطوسي وفي المدرسة الشبرية وفي مسجد الهندي.. في سوق الحويش.

وكان أهمّ درس في البحث الخارج فقهاً وأصولاً حضره الشيخ المترجَم له فانتفع به وترقى في معارج العلوم الشرعية هو درس الإمام السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (رضوان الله عليه) زعيم الحوزة العلمية في عصره المتوفى سنة 1413 هجرية، فقد درس عنده دورة أصولية كاملة ـ ملفقةـ وأما في الفقه فقد حضر عنده من صلاة المسافر إلى أن انقطع السيد (طاب ثراه) عن التدريس بسبب حالته الصحية.

ولِما يتمتع به شيخنا المترجم منْ مكانة علمية سامية ورصانةٍ فكرية بعيدة الغور فقد أحبَّ التدريس حد العشق فأكثر منه ابتداءً من (جامعة المنتظر) في باكستان إلى يومنا هذا في العديد من الفنون وعلى كل المستويات، وجملة من تلامذته الآن يحاضر في البحث الخارج على الأصول والفقه في مناطق مختلفة من العالم، وأصرَّ سماحته على عدم ذكر أسمائهم تواضعاً للعلم والعلماء.

وباشر سماحته منذ خمسة وثلاثين عاماً أي من عام 1974م بإلقاء دروسه الراقية خارجاً فقهاً وأصولاً في الأماكن الآتية:

1ـ مدرسة دار الحكمة وهي مؤسّسة آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم (طاب ثراه).
2ـ مدرسة دار العلم وهي مؤسسة آية الله العظمى السيد الخوئي (طاب ثراه).
3ـ المدرسة الشبرية.
4ـ مدرسة القوام المسامتة لمسجد شيخ الطائفة الطوسي (طاب ثراه).
5ـ مسجد كاشف الغطاء (طاب ثراه).
6ـ (المسجد الهندي).

وما زال أطال الله بقاءه يواصل دروسه ـ خارجاً، في مكتبه ـ في الفقه والأصول إضافة إلى درسي التفسير والأخلاق.

مؤلفاته :

القلمُ ترجمان عقل الكاتب، وسفير علمه، ورائد فهمه ؛ إذا رعف على القرطاس أعربَ عنْ كنه ذاته وأبان عنْ مبلغه من العلْم وموضعه من الفضل، والآثار كاشفة عن ثقافة صاحبها مجسدة لحقيقة ما وصل إليه من المعارف والعلوم، وإذا استقرأنا ما دبجه يراعُ شيخنا المرجع (دام ظله) في الفقه والأصول وسائر العلوم الإسلامية وقفنا على كنز هائلٍ وثروةٍ طائلة ومنجم مترع بنفائس الجواهر وروائع الذخائر وبدائع الفوائد.

أجلْ وجدنا العلم الراقي والتحقيق الرائق والأدلة السابغة والحجج البالغة وقوة الاستنباط والطريقة المثلى في عرض الآراء وتصنيفها ومحاكمتها على ضوء القواعد العلمية الرصينة:

إذا اقرَّ على رقٍّ أناملهُ*** أقرَّ بالرِّقّ كتابُ الأنام له

وقد جال قلمه المبارك في العلوم الإسلامية المتعددة من فقه وأصولٍ وفلسفةٍ وكلام وتفسير وحديثٍ والمسائل المستحدثة وغيرها مما يعتبر من مفاخر نتاج الفكر الأمامي المتميّز.

واليك أيها القاري الكريم جملة من آثاره الشريفة:

1) الدين القيم ـ رسالته العملية عبادات ومعاملات - في ثلاثة أجزاء (مطبوعة) وقد تُرجمت إلى الانكليزية والاوردية والكجراتية.
2) وقفة مع مقلدي الموتى (مطبوعة عدة طبعات).
3) مرْقاة الأصول (مطبوعة عدة طبعات).
4) مناسك الحج (مطبوعة).
5) خير الصحائف في أحكام العفاف (مطبوعة عدة طبعات).
6) مائة سؤال حول الخمس (مطبوعة).
7) هداية الناشئة (مطبوعة).
8) أعمال وأحكام شهر رمضان المبارك (مطبوعة عدة طبعات).
9) ستبقى النجف رائدة حوزات العالم (مطبوعة عدة طبعات).
10) الخريت العتيد في أحكام التقليد (مطبوعة عدة طبعات).
11) مصطفى الدين القيم (مطبوعة عدة طبعات).
12) المرشد الشفيق إلى حج البيت العتيق (مطبوعة عدة طبعات).
13) المنهل العذب لمن هو مغترب (مطبوعة).
14) بحوث فقهية معاصرة (مطبوعة).
15) شرح معالم الأصول (مخطوطة).
16) رسالة في أحكام القبلة (مخطوطة).
17) رسالة في الاعتكاف (مخطوطة).
18) رسالة في العدالة (مخطوطة).
19) رسالة في أحكام الغيبة (مخطوطة).
20) رسالة في قاعدة ما يضمن بصحيح (مخطوطة).
21) شرح كفاية الأصول (مخطوطة).
22) تنقيح الرواة (مخطوطة لم يتم بعد).
23) بحثٌ مفصل في علم الدّراية (مخطوطة).
24) شرح منظومة الحكيم السبزواري (مخطوطة).
25) شرْحُ مطالب القوانين في الأصول، وصَل فيه إلى مبحث الأوامر (مخطوطة).
26) رسالة في الدائرة الهندية وتعيين القبلة (مخطوطة).
27) تعليقه على شرح التجريد (مخطوطة).
28) شرح على ارْث اللمعة (مخطوطة).
29) رسالة في أحكام الراديو والتلفزيون والتمثيل (مخطوطة).
30) رسالة في الخمس استدلالية (مخطوطة).
31) رسالة في صلاة الجمعة (مخطوطة).
32) الناصبي وهو كتاب للرد على شبهات أحد الناصبيين (مخطوطة).
33) التائب حبيب الله (مطبوعة عدة طبعات).
34) الشعائر الحسينية ومراسيم العزاء (مطبوعة عدة طبعات).
35) ولادة الإمام المهدي (عج) (مطبوعة عدة طبعات وترجم إلى اللغة الأوردوية).
36) مختصر الأحكام وهو مختصر الرسالة العلمية بلغة الأوردو (مطبوعة).
37) إلى الشباب وهو جملة من توجيهات وإرشادات سماحة المرجع (دام ظله) إلى الشباب (مطبوعة عدة طبعات، ومترجمة للغة الأوردية).
38) (الدِّين النَصِيحة) إلى طلبة العلم (طبوعة عدة طبعات).
39) الغدير إطلالة وأعمال (طبوعة عدة طبعات).

ولا يزال قلمه الشريف يواصل الإنتاج لرفد المكتبة الإسلامية بكلّ ما هو رائع ومفيد من آثاره الجليلة.

روايته :
يروي سماحته الكتب الأربعة للمحمدين الثلاثة (رضوان الله عليهم) وهي (الكافي) و(الفقيه) و(التهذيب) و(الاستبصار) وسائر مؤلفات الشيخ الصدوق وشيخ الطائفة الطوسي والعلامة الحلي بسندٍ متصل إلى إجازة العلامة الكبيرة المطبوعة، وقد استجازه جملة من الأفاضل فمنحهم الأجازة.
مشاريعه وأعماله الإصلاحية

آثار المرء هي الدليل الناصع على تشخيص مكانته وتعيين منزلته وبها يكتسب الذكر الجميل ويمنح العمر الخالد فلا ينطوي اسمه ولا تنداحُ عن ساحة الوجود الإنساني ذكراه:

تلك آثارنا تدل علينا *** فانظروا بعدنا إلى الآثار

وشيخنا (دام ظله) من الرجال القلائل الذين أثبتوا كفاءتهم في خدْمة الأمة الإسلامية من أبوابٍ متعددة فدخل في قائمة أفذاذ عباقرة المصلحين دخولاً أوّليا بما قام به من مشاريع إصلاحية وحركة تجديدية في الحوزة العلمية النجفية وغيرها.

أخلاقه :
الأخلاق هي المعْيار الذي يقاس به رقي الأمم ويرجع إليه في الحكم إنْ لها أوْ عَليْها:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيتْ *** فإنْ هم ذهبت أخلاقهمْ ذهبوا

وفي الحديث النبوي (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم).

والذين قدّر لهم أنْ يتشرفوا بمعاشرة سماحة المرجع (دام ظله) أو يجالسوه ولو لمدة قصيرة يشهدون بأنه مثال الخلق الإسلامي الراقي في التواضع ولين العريكة وسلامة الطوية وكرم النفس وخفض الجناح للمؤمنين وتبجيل أهل الدين وأصحاب المروءات وتعظيم ذوي الفضل والعلم لا يفرق بين غني وفقير ولا بين قريب أو بعيد إلاّ بما قرره الشرع الشريف من تقديم أهل التقوى ومنابذة أهل المعاصي والمنكرات كما يخص السادات الاشراف المنتسبين إلى العترة الطاهرة بمزيد الاحترام والتبجيل صغيرهم وكبيرهم غنيهم وفقيرهم ولا يخاطب احدهم إلاّ بقوله: قال جدك رسول الله، أو وفقنا الله لخدمة شعائر أجدادك الطاهرين... الخ.

لا يحابي ولا يماري ولا يداهن أحداً، ومجلسه العامر مجلس توجيه وإرشاد وموعظة ونصيحة فلا اذكر أني سمعت منه في يوم من الأيام كلاماً إلا في نصيحة المسلمين وبيان مزايا المؤمنين الذين يحق لهم أنْ يتشرفوا باسم (شيعة أهل البيت عليهم السلام) والحث على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء وإحياء شعائر الله تعالى وإيضاح عظمة الأئمة المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم)، وما يجب لهم في الأعناق من الطاعة وامتثال الأوامر واجتناب النواهي والإجابة عن الأسئلة الدينية التي تنهال على سماحته كل وقتٍ بالأجوبة السديدة مع الإيجاز غير المخلّ، شديد الوطأة على أهل البدع والضلال لا تأخذه في الله تعالى لومة لائم، قائم بوظيفة الأمرْ بالمعروف والنهي عن المنكر خير قيام لا ينفك بين الفينة والفينة يوجه نصائحه الغالية وإرشاداته العالية إلى أبنائه من طلبة العلْم بخاصة، والمسلمين بعامة تقريراً وتحريراً.

تسطيع أنوار الهيبة من أسارير جبهتهِ، وتشعشع بوارق الجلالة من مشارق محياه، كريم المعاشرة، لطيف المحاورة، فصيح العبارة، مليح الإشارة، ناصع البيان، ساطع البرهان، ميمون النقيبة، مبارك الطلعة، طابق اسمه مسماه فاستبشرت حوزة العلم الكبرى بمجددها المصلح واستظلت بحماه:

وكادت بها الأيامُ توْدي وتحتفي *** صواها فأحياها (البشير) المجددُ

عَقُبهُ المبارك :
لشيخنا المعظم دام ظلهُ الوارف أربعة أنجال كرام، ثلاثة منهم أشقاء، وهم:
1- نصير الدين النجفي.
2- محمد النجفي.
3- علي النجفي.
4- حيدر النجفي.
وقفة الختام

مما تقدم منْ بيان موجز ولمحةٍ دالةٍ هي (قبسَة العجلان) و(عقلة المستوفز) ترتسم في ذاكرة القارئ الكريم الملامح العامة والخطوط العريضة بنحو الإيماء والإشارة لا التفصيل والاستيعاب لشخصيّة إسلامية فذة نادرة المثال منْ طراز خاص شاءت لها يدُ العناية الإلهية أنْ تتبوأ دست المرجعية الأقدسَ للطائفة الإماميّة بكفاءةٍ واستحقاقٍ وهو المصداق للبيتين ضمن قصيدة معروفة وهما:

أتته الزعامة منقادةً *** إليه تجرّ أذيالها

فلم تك تصلحُ إلاّ لهُ *** ولمْ يك يصلحُ إلاّ لها

والمتتبع الفاحصُ منْ أهل الخبرة المعْنيين بشؤون المرجعية الدينية لا يسعه إضمار اطلاعه على منهج شيخنا النجفي في التدريس العالي والبحوث الخارجية الراقية وما تتسم به من العمق والشمول والأَصالة والحرص على تخليص اللباب من القشور وتنقية المطالب الأصولية والفقهية مما علق بها منْ شوائب التكرار والتخليط المفضي إلى مزايلة العناوين لمعنوناتها بالمفاد المطابقي مع الاطلاع المستوْعب على جملة ما دبجه يراعه السيّال من آثار رصينة ومؤلفات قيمة في الفقه والأصول وسائر الفنون الإسلامية على النحو الذي لا يتأتى رصفه وتنسيقه واستخلاص صحة نتائجه من سلامة مقدماته إلا للاوحدي الملهم المسدد بالعناية الإلهية والتوفيقات الربّانية؛ أقول لا يسع المتتبع الخبير المطلع على ما اشرنا إليه آنفاً إلا أنْ يقطع ببلوغ البشير (دام ظله الوارف) ذروة الاجتهاد المطلق، وقد لخص العلامة الجليل مؤلف (اللمحة) عن حياة شيخنا النجفي (دام ظله العالي) معنى ما ذكرناه هنا فأجاد وأفاد وأوفى على الغاية في توضيح المراد، ولا ضير علينا أنْ نزين هذه الرسالة بنقل ما حرّره في (لمحته) قال دام قلمه: دأب العلماء والأفذاذ على إثبات اجتهادهم بما يدل عليه مما يصدر عنهم من آثار، واجل ذلك من وجهة نظرنا:

1ـ التصدي لتدريس السطوح العالية في الفقه والأصول، المكاسب، الكفاية، الرسائل، وشيخنا البشير مرّ بهذه المرحلة وله تلامذةٌ أحياء داخل العراق وخارجه درسوا عنده تلك الدروس، ومرحلة تدريس السطوح وخاصة العالية منها تعتبر (الحجر الأساس) في بناء بلوغ درجة الاجتهاد والتمرس في صياغة الحكم والصناعة الفقهية.

2) دسومة المطالب الفقهية والأصولية التي يتعرض لها صاحب البحث الخارج تدل على ما يتمتع به من علم ومعرفة ؛ لان الرجل العارف بالحكم ومداركه وتفريعاته وطرق الاستدلال عليه ومحاكمتها ومناقشاتها والرّد على ما يخالف الذوق والأصول العامّة المسلم بها عند أصحابنا كلها شواهد صدق ونواطق حق على اجتهاد المتحدث وبراعته أصولاً وفقهاً.

3) آثار المرء العلمية تدل على أن ما صدر عن أنامله هل فيه غنى وجودة وأصالة أو أنه تكرار لما سبق واجترار لما سلف من آثار؟

إلى آخر ما قال سلمه الله تعالى.

قلتُ: وبحسب الباحث المنصف أنْ يطلع على نموذج من كتاباته في الأصول وهو كتابه الجليلُ (مرقاة الأصول) فقد بلغ حدّ الإعجاز في الإيجاز مع جامعيته وما نعيته (ولا ينبئك مثل خبير).

قد أكرمه الله :
حيث تعرض سماحة شيخنا المعظم لمحاولات اغتيال وكان أولها الهجوم عليه بالقنابل اليدوية ليلة الجمعة وهي إحدى ليالي القدر المباركة عام 1419هـ، وهو جالس في ركن مكتبه يؤدي واجبه الديني كمرجع وكان من معاجز المفدى ولي الله (عجل الله فرجه) أن حمى نائبه واستنقذه سالماً من غرفة امتلأت بشظايا ونيران القنابل والقتلى والجرحى ليواصل مسيرته لخدمة دين الله تحت رعايته (عليه السلام) حتى يبلغ الكتاب اجله.




هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

اضف تعليقك هنا .. شاركنا برأيك .. اي استفسار او اضافة للموضوع ضعه هنا
اذا احببت اختر التعليق باسم : ( الاسم / عنوان url ) اكتب الاسم فقط واترك الخيار الثاني فارغ
ثم اضغط على استمرار واكتب تعليقتك

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع انصار الحجة عجل الله فرجه - النجف الاشرف