الإحتباس الحراري وتخريب النظام الكوني
بقلم - زين العابدين المقدّس الغريفي
لا شك في أن بقاء الإنسان وسلامته مرهون بوجود بيئة سليمة ، كونها الوعاء الذي نشأ منه الإنسان وسكن فيه ؛ فالبيئة الصحية تمثل جانب مهم للحياة والعيش على سطح الأرض ، ولذلك فإن مسؤولية المحافظة على سلامتها تقع على عاتق جميع البشر ، وهذا مما أرشد إليه الشرع الشريف وأكد عليه في نصوص متضافرة من الكتاب والسنة ، إذ إن الغرض من خلق الإنسان هو عمارة الأرض وفقاً لإرادة الله تعالى وطبقاً لتشريعاته فقال تعالى : [هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا][1] حيث وفر للإنسان جميع إمكانات العيش عليها من الخيرات الوفيرة والثروات الكبيرة ومنحه الاستعداد الكامل للإعمار ثم طلب منه ذلك ، ولعل من أهم وسائل الإعمار هو حفظ البيئة ، فهو واجب إنساني يتفق عليه جميع العقلاء بمختلف اتجاهاتهم وأطيافهم وأديانهم لكون النفع والضرر يستوعب الجميع ويؤثر عليهم سلباً وإيجاباً .
بيد أن الإنسان متمرد بطبعه فلأجل تحصيل مصالحه الشخصية والفئوية قد يتغافل عن المصالح العقلائية العليا للإنسانية بل يحارب من أجل غاياته وأهدافه وإن كان يعلم بنتائجها الوخيمة على البيئة عموماً فيسعى لخراب الأرض بعد اعمارها ومن ذلك صنع القنابل النووية والهيدروجينية ، والاسراف في استعمال الوقود الاحفوري مما يؤدي إلى مشاكل بيئية وتغير سلبي في المناخ ، وأبرز ذلك ما يعرف بــ (الاحتباس الحراري) وآثاره السلبية على النظام الكوني .
والاحتباس الحراري : هو احتفاظ الغلاف الجوي ببعض حرارة الشمس لتدفئة الكرة الأرضية وتعديل مناخها ليساهم في إمكان العيش عليها ، حيث إن متوسط درجة حرارة الارض 14 درجة مئوية يستقيها من طاقة الشمس بشكل طبيعي تبعاً للنظام الكوني الذي أنشأه الله تعالى.
وهذه ظاهرة إيجابية إذ بدونها سوف تصل حرارة الأرض إلى ( - 19 ) درجة سليزية تحت الصفر ، بيد أن زيادة انبعاث الغازات الدفيئة أو ما يعرف بــ (الصوبة الخضراء) نتيجة لحرق الوقود بشكل متزايد ساهم في زيادة امتصاص الأشعة تحت الحمراء وحبسها في الغلاف الجوي ، وبالتالي ارتفاع في درجة حرارة طبقات الغلاف الجوي ، فيؤدي إلى حدوث تغيرات مناخية قد تسبب كوارث بيئية من زيادة الأمطار أو قلّتها وذوبان الثلوج والفيضانات وزيادة البرد وشدّة الحرارة وحدوث الأعاصير الكبيرة ولربما الزلازل .
وهذا راجع في الواقع إلى تأثير الأنشطة الإنسانية المعتمدة على حرق الوقود الاحفوري ــ كالنفط ومشتقاته والغاز والفحم ــ في القرنين الأخيرين ، حيث أشار علماء البيئة إلى ان كثرة مصانع الطاقة وانتشار المعامل ووسائل النقل المتنوعة وتزايد الأجهزة المعتمدة على الوقود الاحفوري باستمرار وما ينتج عنها من نفايات وملوثات ، مضافاً إلى الإنفجارات النووية والكيمياوية ومختلف الأسلحة الحربية ساهم في اختلال التوازن المناخي واضمحلال البيئة وتدهور صحة الإنسان وارتفاع درجة حرارة الأرض الذي يُشكل ذلك كلّه خطراً على الحياة ، نتيجة لزيادة معدلات انبعاث الغازات الدفيئة وأهمها : بخار الماء وثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز والأوزون ، ويمثل غاز ثاني أوكسيد الكاربون النسبة الأكبر منها بما يعادل 63% من هذه الغازات .
وإن تزايد الاستعمال السيء والخاطئ للوقود الاحفوري من قبل الإنسان وعدم خضوعه لضوابط ومعايير الانظمة البيئية أو عدم قدرته على ذلك نتيجة لاعتماد النظام الحياتي على الألة في أغلب المشاريع والانشطة الحياتية العامة ، سيؤدي تخريب النظام الكوني وهلاك عدد كبير من البشرية .
وقد أكدت بعض الأبحاث والدراسات العالمية عن احتمال حدوث زيادة في التغيرات المناخية الناجمة عن الاحتباس الحراري ، حتى أصبحت مثاراً لجدل واسع بين مختلف أصناف المجتمع الإنساني بين مؤيد لتقليل أضرار الوقود الاحفوري عبر ايجاد بدائل ووضع قيود تمنع من اضرار البيئة ، وبين معارض ومشكك بأصل فكرة حدوث الاحتباس الحراري لاسيما أصحاب المصالح العليا من المستثمرين والدول الكبرى المهيمنة على الصناعات في العالم ، وما زالت بعض الدول والمؤسسات المهتمة بالبيئة تسعى جاهدة لعقد مؤتمرات وندوات في سبيل ايجاد حلول ناجعة لخفض معدل انبعاث الغازات الملوثة للهواء ، حيث أنّ الأرقام التي تقدمها مؤسسات وجمعيات الدفاع عن البيئة تؤكد أنّ نسبة مساهمة الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها في انبعاث الغازات تقارب ربع ما ينتجه مجموع سكان العالم ، فكل ما يصاب به البشر من أمراض ونقص في الموارد كالمياه العذبة نتيجة لتبخرها وارتفاع مستوى المياه في البحار والمحيطات نتيجة لذوبان الثلوج في الأقطاب المتجمدة وتزايد الكوارث البيئية كغرق الدول الساحلية وانفجار البراكين وحدوث الأعاصير ، ستكون هي المسؤول الأكبر عنه وعن كل ضرر سيصيب البشرية في الحال والمستقبل ، تليها في ذلك الصين فالدول الأوربية كألمانيا وفرنسا ونحوها ممن يتربع على عرش الصناعة في العالم .
كما إن الآثار الإقتصادية التي يمكن أن تسببها ظاهرة الاحتباس الحراري لا تقل خطورة عن الاضرار البيئية ، بلحاظ إمكان حدوث انخفاض في مستوى الإنتاج الزراعي واندثار عدد كبير من الغابات والاراضي الزراعية وموت الكثير من الحيوانات وتكاثر أنواع ضارّة من الحشرات ونحو ذلك مما يهدد الأمن الغذائي في العالم .
وهذا التأثير قد يكون مباشراً كتلف الثروات من هدم البيوت وجرف المزروعات وموت الحيوانات أو غير مباشر بلحاظ إنعكاسه على الظروف المعيشية للأفراد في العالم ، من قبيل غلاء المعيشة فقلة الموارد الاقتصادية سترفع من ثمنها وبالتالي سيضطر الأفراد لدفع ثمن أكبر لشراء الطعام وحاجاتهم الأولية ، فآثار الاحتباس الحراري ستؤثر سلباً على الانتاج الزراعي والحيواني الذين يمثلان مصدر الغذاء للبشرية .
كما قد يؤدي إلى انتشار الأمراض المعدية كالملاريا والتيفوئيد والسل وأمراض نقص التغذية والمناعة ونحو ذلك من الكوارث والنوائب التي من المحتمل أن تنزل على البشرية جمعاء نتيجة للتغيرات المناخية الناجمة عن الاحتباس الحراري .
ولذا فإن الواجب الإنساني يحتم على كل فرد بذل ما بوسعه من خطوات جدية في سبيل منع وقوع هذه الكوارث وارجاع التوازن إلى تكوين الغازات في الغلاف الجوي من خلال تقليل استخدام الطاقة الأحفورية والحد منها قدر الإمكان والاستعاضة عنها بالطاقة البديلة ، فإن الطبيعة ممتلئة بمصادر الطاقة المتجددة ذات الأثر الصحي والاقتصادي على الإنسان كالاستفادة من المياه والرياح والشمس وغيرها في توليد الطاقة الكهربائية .
كما يمكن استبدال بعض المواد الكيميائية بالمواد الطبيعية من المزروعات وادخالها في بعض الصناعات ، حيث قامت بعض المصانع الامريكية لصناعة البلاستك بالاعتماد على مواد اولية من النباتات مثل الذرة والبطاطا بدلاً من المواد الكيمياوية التي تؤثر على البيئة نتيجة احتراقها وهذه التفاتة علمية جيدة لمنع زيادة ثاني اوكسيد الكاربون في الجو ، ولكن ماذا لو فقدت البطاطا والذرة وغيرها من النباتات من الاسواق بسبب طلب هذه المصانع لها فماذا سنأكل ؟؟؟ !!!
واخيراً نقول : إن النظرة الإيمانية لهذه الظاهرة الطبيعية تدعو إلى الإيمان بالقدرة الإلهية في رعاية الكون وخلق عملية التوازن البيئي في هذا العالم بحيث لا يحدث انفجار القنبلة الموقوتة نتيجة الإنحباس الحراري والذي يعني انفجارها قيام الساعة وهذا الأمر خاضع لقدرته وارادته المحددة والموقتة بعلمه سبحانه وتعالى ، لذا فإنّ زيادة ثاني أكسيد الكاربون في عالمنا يوجد من يستهلكه ويقلل لنا النسبة وفقاً للنظام التكويني الذي أوجد بقدرة إلهية، فالغابات والأسماك في المحيطات والأنهار والطحالب وغيرها تقوم بعملية امتصاص ثاني أكسيد الكاربون وتطرح بدله الأوكسجين ليحدث التوازن المناخي في هذا العالم ، وهذا من حكمة الخالق العظيم الذي يُخضع هذه الأمور الكونية لإرادته رغم تدخل الإنسان لتخريب النظام الكوني إلاّ أنّه يعجز عن ذلك وهذا من نعم الله تعالى، فإنّه إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ، والحمد لله أولاً وآخراً ...
اضف تعليقك هنا .. شاركنا برأيك .. اي استفسار او اضافة للموضوع ضعه هنا
اذا احببت اختر التعليق باسم : ( الاسم / عنوان url ) اكتب الاسم فقط واترك الخيار الثاني فارغ
ثم اضغط على استمرار واكتب تعليقتك