إطلالة على كتاب (جدلية الصحابة بين النص والعقل والسيرة)
اعداد / الشيخ حسن الجبوري
بغداد - العراق
(( يباع الكتاب في المعرض الدائم للعتبة العلوية المقدسة ))
تعددت الدراسات والابحاث حول موضوع (عدالة الصحابة) بين مؤيد لتلك النظرية ومعارض لها تبعاً لخلفيته الدينية ومرتكزاته العقائدية ، وقد استدل الطرفان بنصوص قرآنية ونبوية لتدعيم اتجاههم اضافة الى استدلالهم بحكم العقل كمؤيد أو معارض ليستخرجوا بذلك حكماً عاماً يطبق على جميع من عاصر الرسول (ص) وشاهده .
ومن بين تلك الابحاث ما اصدره سماحة آية الله الفقيه المحقق السيد أبو الحسن حميد المقدس الغريفي (ايده الله) تحت عنوان (جدلية الصحابة بين النص والعقل والسيرة) ، بطبعته الاولى لعام1433 هـ - 2012 م في بيروت عن مكتب أنصار الحجة (عج) الاسلامي ، حيث حوى على (759) سبعمائة وتسعة وخمسين صفحة متضمنا مقدمة وثلاث فصول كل فصل يحوي اربعة مباحث ثم خاتمة بين فيها مجمل ما دار في البحث من اطروحات ونظريات .
اذ قام بعرض استدلالي تحليلي بطريقة معاصرة يندر ان يكتب مثلها لمجمل النظريات والإشكاليات المطروحة حول (عدالة الصحابة) ثم قام بمناقشتها عبر عرضها على الكتاب وصحيح السنة والعقل ثم ناقش سيرة بعض الصحابة حيث وقعت الردة من بعضهم واقيم على بعضهم الحد وآخرين منهم منافقون ليستنتج من ذلك ان ليس جميع من شاهد أو عاصر النبي (ص) كان مؤمناً عادلاً ، كما وليس بالضرورة ان يصح الاخذ من كل مؤمن فكثير منهم يسهو ويخطأ وبعضهم من ليس له علم أو دراية وفهم بل يجب الاخذ والتمسك بمن جعلهم الرسول (ص) خلفاء له في حفظ الشريعة وتبليغها وهم أهل بيته (ع) في احاديث كثيرة كحديث الثقلين وحديث السفينة ونحوها .
والقارئ للكتاب يجد النظرة الموضوعية التحقيقية المقارنة بما يوافق منهج البحث العلمي ، اذ قام سماحته بمحاكمة عادلة لهذه النظرية وفق أدلة ثابتة يتفق عليها المسلمون ، كما ويدرك العقل الحكم الصحيح على هذا الصحابي أَو ذاك سلباً أو إيجاباً ، ذماً أو مدحاً ، تجريحاً أو تعديلاً من خلال النص والسيرة مع دراسة حجية قول الصحابي وبيان الحكم الفصل فيه ، ولا يستغني عن مراجعة هذا الكتاب الباحثون والدعاة والمثقفون وطُلاّب الحقيقة من جميع المسلمين .
فلم يقتصر في بحثه عن الصحابي على الجانب النقلي بل عضده بالجانب العقلي حيث قام ببحث تأصيلي لما تتبناه المدرسة الامامية من طرح في هذه المسألة ، ولم يقتصر على الجانب النظري بل أثبت صحتها ودقتها عبر تعضيدها بالتطبيقات من خلال ممارسة الصحابي وافعاله ، فلم يكن البحث جامداً على منهج محدد حيث تعدد المنهج يؤدي الى تكامل الفكرة مما يؤدي الى تفادي جميع مشكلات المنهج الواحد .
حيث تطرق في الفصل الاول الى مباحث عدة :
ففي المبحث الاول : تعريف الصحابي حيث ذكر مجمل تعريفات المحدثين واهل المذاهب بعد عرضه للتعريف اللغوي وناقشها نقاشاً علمياً حيث توصل الى بطلان التعريف المعتمد عند أهل السنة ثم وضع شروطاً هامة ينبغي مرعاتها حتى يمكن الحكم على الصحابي بالايمان .
أما المبحث الثاني : فذكر الموقف القرآني من الصحابة ، حيث قسم القرآن الكريم الصحابة الى اصناف ولم يجعلهم بمرتبة واحدة ، واستشهد بمجموعة كبيرة من الآيات التي تبين الواقع السيء الذي كانت تعيشه مجاميع من الصحابة وبذلك تنخرم القاعدة التي طرحها أهل السنة بعدالة جميع الصحابة لعدم موافقتها لصريح القرآن الكريم .
أما المبحث الثالث : فذكر القواعد القرآنية التي لا يخرج عنها الصحابي في التمييز والفرز بين المؤمن وغيره ، ولو كان للصحابة شأن خاص كما هي دعوى اهل السنة لبين القرآن وحيث لم يبين فهم داخلون فيها فلابد من مراعاتها في الحكم على الصحابي بالايجاب أو السلب .
وأما المبحث الرابع : فجمع فيه الآيات التي يستدل بها أهل السنة على عدالة الصحابة وأسهب في مناقشتها نقضاً وحلاً بأسلوب دقيق ، اثبت عدم صلاحيتها للاستدلال .
ثم تطرق في الفصل الثاني الى موقف السنة النبوية من الصحابي وبيان ضعف نظرية عدالة الصحابة من خلال بيان واقعهم :
ففي المبحث الأول : ذكر دلالة كلمة الاصحاب في النصوص الحديثية بيان جملة من النصوص التي تطبق لفظ الصحبة على المنافق أو الفاسق أو الفاجر فلا انحصار لها على المؤمن أو العادل وبذلك لا يمكن الاستدلال بصحبة الرجل على ايمانه أو عدالته ، ثم بين سماحته المنهج الذي اعتمده في اعتماد الاخبار والروايات والحوادث التأريخية المستند الى مرويات صحيحة وقواعد عقلية إذ ذكر ثمانية ضوابط يمكن بمراعاتها اثبات حادثة أو نفيها ، كما ذكر جملة من التطبيقات التاريخية مثل ظلامة أهل البيت (عليهم السلام) وبالأخص الزهراء (عليها السلام) .
أما المبحث الثاني : فقد ذكر فيه واقع الصحابة في احاديث رزية يوم الخميس ومعارضة الصحابة لكتابة وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الوصية لأمير المؤمنين (عليه السلام) وتمردهم عن الأمر الإلهي حيث ذكر النصوص وناقشها نقاشاً موضوعياً اثبت فيه بما لا يقبل الريب ان موضوع الوصية هو اثبات الخلافة لأمير المؤمنين (عليه السلام) .
أما المبحث الثالث : فقد تناول فيه الحقبة الزمنية التي عاشها أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد رحيل رسول الله (ص) وهي أربعون سنة ، وشرح فيها انقسام الامة وحصول الفتن وانقلاب بعض الصحابة على الرسالة والرساليين ، كما بين كيف أصبح الاول حاكماً وكذا الثاني والثالث، وبين ملابسات هذه الحقبة وازاح الغبار عنها .
أما المبحث الرابع : فتحدث فيه عن موقف أهل البيت (عليهم السلام) من السقيفة وتوابعها حيث ذكر موقف أمير المؤمنين والزهراء والحسنين (صلوات الله عليهم) بمطالبتهم بالخلافة كونها الحق الشرعي لهم في مواقف مختلفة ومواطن متعددة .
ثم تطرق في الفصل الثالث الى بيان مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) ونقض مرجعية غيرهم :
ففي المبحث الأول : أورد الاخبار النبوية التي تحذر الصحابة من الردة وظلم أهل البيت (عليهم السلام) وعصيانهم واغتصاب حقهم باحاديث مستفيضة بل متواترة معنى ثم تطبيقها على الواقع التاريخي بعد رحيل الرسول (صلى الله عليه وآله) وما احدثه المنقلبون بعده .
ثم تحدث في المبحث الثاني : عن حجية قول الصحابي من جهتين : الاولى حول روايته قبولاً ورفضاً ، والثانية حول حجية قوله وسيرته ، واثبت عدم وجود دليل على عدالة مطلق الصحابي كما اثبت عدم صحة تطبيق اصالة العدالة على مجتمع الصحابة نتيجة لوجود طوائف من المنافقين والفاسقين والمرتدين داخله وبالتالي ينبغي فرزهم وفحصهم عبر قواعد الجرح والتعديل واذا كان هذا حال الصحابي في روايته فمن باب اولى عدم حجية قوله وسيرته على غيره من المسلمين .
ثم تناول في المبحث الثالث : ادلة مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) من السنة الشريفة حيث كان ابرزها حديث الثقلين أو الخليفتين اذ بحثه من جهة سنده واثبت صحته بل تواتره عند أهل السنة ومن جهة دلالته الصريحة على مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) الدينية والدنيوية .
ثم تناول في المبحث الرابع : حديث العشرة المبشرة بالجنة وأثبت كونه خرافة لا أصل له ، كما انه مخالف لصريح النصوص الشرعية من القرآن والسنة اضافة لوقوع احداث من العشرة ما لا تتناسب وطبيعة الايمان .
ثم وضع المؤلف خاتمة لخص فيها جميع المباحث وثبت فيها أهم النتائج التي توصل اليها من خلال بحثه القيم .
وهذا البحث ليس الأول لسماحة السيد (دام ظله) بل له مؤلفات وبحوث عدة في مختلف مجالات المعرفة الانسانية من الفقه والاصول والرجال والدراية والكلام منها :
1- جذور الإساءة للاسلام وللرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) .
2- صلاة الجمعة تقريرات بحث خارج .
3- نقض الحكم الولائي .
4- دعاء الفرج وشبهات المضلين .
5- سلوك الطريق الى معرفة الصديق .
6- حكومة الفقهاء ودستور الامة .
7- الفدرالية من منظور فقهي .
8- المرجعية الدينية والمرجعية السياسية .
وغيرها الكثير .
اضافة الى مواقفه السياسية من القضايا الراهنة في العالم الاسلامي عموماً والعراق خصوصاً عبر بياناته المتواصلة ومقالاته في (مجلة انصار الحجة) التي تعبر عن رؤية متكاملة لما يجري من متغيرات في المنطقة .
ولا يخفى ان سماحة السيد هو احد اساتذة البحث الخارج في الحوزة العلمية في النجف الاشرف في الفقه والاصول والرجال ومن اعلامها المبرزين .
فالسيد المقدس الغريفي من العلماء العاميلن وقد ورد في الحديث الشريف : [عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد] .
كتاب قيم لكاتب مبدع في كتاباته ومؤلفاته ، حيث الموضوعية في الطرح والجزالة في الاسلوب والحيادية في الطرح ليكون رؤية علمية واقعية حول مجتمع الصحابة .
ردحذف